عام على تحرير إدلب.. أين أصابت إدارة المدينة وأين تعثرت؟

راديو الكل – خاص

أعطى تحرير مدينة إدلب قبل نحو عام الأمل بتغيير موازيين القوى لصالح الثورة، إلا أن المدينة التي لم تكد تفرح بتحريرها؛ اصطدمت بتحديات وصعوبات عديدة، أهمها تسيير شؤون السكان وتوفير الخدمات الأساسية اللازمة لهم؛ من مياه وكهرباء ونظافة، وسط انعدام الإمكانيات واستئثار الفصائل العسكرية التي حررت المدينة بإدارة المراكز الحيوية مع حضور خجول للهيئات المدنية.

سياسة التدمير الممنهج التي اتبعها النظام في المدن التي يجبر على الخروج منها؛ زادت من كارثية الوضع وصعبت من عمل مجلس المدينة المحلي الذي وجد نفسه أمام مهمة ليست بالسهلة، مع جملة من المشاكل يتحدث عنها أهالي المدينة:

بعض الآراء ترى بأن الفشل هو الطابع العام في طريقة إدارة المدينة، فيما يعتبر آخرون بأن تزايد أعداد العائدين إلى منازلهم هو مؤشر على أن الوضع نحو التحسن، رغم حالة عدم الرضا عن آلية إدارة بعض المؤسسات وخاصة القضاء، الذي لا تزال تسيطر عليه الفصائل العسكرية ذات التوجه السلفي الجهادي بمعظمها، بخلاف سكان المدينة ذوي التوجه المحافظ المعتدل، ممن يرغبون بمؤسسات مدنية تدير شؤونهم؛ لا هيئات ومجالس شرعية قد تستفرد بالقرار وتنفذ أحكاماًَ تعسفية تبعاً لآراء شخصية، ولا يستبعد أن يأتي بعض منها بعد محاكمات شكلية.

الأمن الغذائي أحد أهم مقومات الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي؛ شهد تدهوراً في محافظة إدلب منذ أوائل عام ألفين وأحد عشر، متمثلاً بانخفاض حاد في الإنتاج الزراعي المكون الاقتصادي الرئيسي فيها، حيث تبلغ مساحة الأراضي الزراعية أكثر من خمسة وسبعين بالمئة من المساحة الإجمالية للمحافظة، وكانت تنتج نحو عشرة بالمئة من القمح السوري وما يقارب خمسة وعشرين بالمئة من إنتاج زيت الزيتون، فضلاً عن محاصيل الأشجار المثمرة التي يقدر عددها باثني عشر مليون شجرة.

عوامل عديدة تسببت بتدهور مؤشرات الأمن الغذائي في المحافظة، أبرزها ارتفاع تكاليف الإنتاج، وهجرة الفلاحين لأراضيهم بسبب القصف والمعارك، إضافة إلى انهيار أنظمة الري، وتراجع إنتاج المياه التي كان يقدر متوسط إنتاجها بأكثر من خسمة وخمسين ألف متر مكعب، يستهلك منها مايقارب واحد وأربعين ألف متر مكعب محلياً، حسب إحصائيات عام ألفين وعشرة، في موازاة ذلك، بلغ عدد الآبار الجوفية نحو اثني عشر ألف بئر عام ألفين وأحد عشر، من بينها اثنين وأربعين بالمئة فقط نسبة الآبار الفعالة في الوقت الحالي.

القطاع التعليمي أيضاً يواجه تحديات وصعوبات، حيث تعرّض ما يقارب ستين بالمئة من منشآت التعليم في إدلب لضرر كلي او جزئي، أو استخدمت كملاجئ جماعية للأسر النازحة إلى المنطقة، حسب تقرير لمنظمة اليونيسيف ، في حين انخفض معدل حضور الطلاب في المدارس إلى ثمانية وثلاثين في المئة نتيجة الوضع الأمني وظروف النزوح وغيرها من الأسباب.

الاستهداف الممهنج من قبل قوات النظام للمنشآت والبنى التحتية؛ ألقى بظلاله السيئة على المجال الصحي كذلك، الذي شهد تراجعاً في أدائه، ونقصاً ملحوظاً في عدد المراكز الطبية والعاملين فيه من أطباء وممرضين.

يقول عضو مجلس مدينة إدلب (عبدو جلّو) لراديو الكل إن الأمور في إدلب أصبحت أفضل بعد التحرير، وعادت الحياة لطبيعتها غير أن الوضع الأمني غير مستقر حيث تتعرض المحافظة لغارات من الطيران الروسي بشكل مستمر ما أوصل الأوضاع لحال يرثى له، ويقوم المجلس بتسيير أمور المدنيين ويقم عدة خدمات مثل تقديم رغيف الخبز ومشاريع الدعم الاغاثي، رغم وجود نقص بمياه الشرب وانتشار السرقات ونقص الكهرباء وبعض الخدمات.

لكن جلو اعتبر أن النقص والتقصير في بعض الخدمات يعتبر طبيعي وقال: هذا واقع جميع المناطق المحررة حيث لاتخلو أي بلدة من مسالة السرقات والتسربات الأمنية ونقص خدمات النظافة، لكن الخدمات بشكل عام جيدة وسنفعل قريباً دائرة السجل المدني، وقمنا بترميم الطرقات التي تعرضت للقصف، كما إن وضع الصرف الصحي جيد جداً حسبما وصفه.

وفي السياق، وُجّهت دعوات عديدة للفصائل العسكرية التي أسهمت بتحرير مدينة إدلب من قوات النظام بتسليم المدينة لإدارة مدينة تقوم بتسير مصالح الأهالي وشؤونهم، إلا أن الفصائل وبعد أكثر من عام؛ لا تزال تستأثر بإدارة المرافق والمؤسسات الأهم كالقضاء مثلاً، وسط مخاوف من أن تتحول إدلب إلى مدينة تشبه الرقة، لناحية القمع ومنع الحريات وسوء الخدمات.

وعلق المهندس عبد القادر علاّف معاون وزير الطاقة والثروة المعدنية في الحكومة السورية المؤقتة على ذلك بالقول: عرضت مؤسسات المعارضة على جيش الفتح تشغيل بعض المنشآت الخدمية في إدلب لكن لم يتم التجاوب مع هذا الطرح، وقامت إدارة مدنية في المحافظة لتنظيم أمور المدنيين، ولم يكن لمؤسسات المعارضة أي دور فعلي في إدارة إدلب بل كان لجيش الفتح اشراف كامل ومباشر على الأعمال الخدمية في المدينة.

وشدد العلاف على أن قادة جيش الفتح قاموا بأعمال جيدة لكن بعض الأمور يجب أن تترك حصراً للمدنيين ومنها إدارات التعليم والقضاء، منوهاً بأنه مالم تتوحد هذه الملفات برؤية موحدة فستكون المناطق المحررة منفصلة عن بعضها، ما يتوجب الاعتماد على الكفاءات المدنية وإبعاد التدخل العسكري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى