اللاجئون السوريون في الأردن يحيون ذكرياتهم الرمضانية بأكلاتهم

استعاد اللاجئون السوريون في الأردن تألق موائدهم خلال شهر رمضان الحالي؛ إذ ازدانت بأشهر المأكولات السورية التي اختفت طيلة السنوات الماضية؛ نتيجة نقص المؤن وضنك العيش، الذي ترافق مع جراح دامية أنستهم الاهتمام بإعداد أشهى الأطعمة التي اعتادوا عليها قبل إندلاع الحرب في بلادهم.

فبعد مُضي ما يزيد عن خمس سنوات على بدء الأزمة السورية، وتواصل الغموض حول مستقبلها، بات تعايش اللاجئين معها أمرًا واقعا، محاولين بعد كل هذه السنين أن يمضوا بحياتهم، وكأن شيئاً لم يكن.

وبينما شهد السوريون في الأردن مواسم رمضانية صعبة، خلال الأعوام السابقة، اقتصروا خلالها على إعداد وجبات تسدَ رمقهم، دون النظر إلى تعدد أصنافها، أرادوا في هذا العام أن يستعيدوا الذكريات، علَها تحيي الأمل في نفوسهم، وترفع من معنوياتهم، وتعبَد الطريق أمام عودة قريبة إلى ديارهم.
“الأناضول” أجرت جولة ميدانية في محافظة المفرق (شمال شرق)، التي تعد من أكثر المحافظات الأردنية استقبالاً للاجئين السوريين منذ بداية الأزمة بحكم قربها الجغرافي من الجارة الشمالية سوريا، وزارت خلالها عدداً من الأسر السورية فيها، واطلعت على أحوالهم، وموائدهم الرمضانية.

اجتمعت أربع أسر سورية من عائلة واحدة، مكونة من 11 فرداً في منزل إبراهيم قاسم مطرود (47 عاماً) من قرية سحم الجولان التابعة لمحافظة درعا، وبدأت بإعداد إفطارها الرمضاني المتمثل بالفطائر الحورانية والسمك.

يقول “مطرود”: “رغم وجود بعض الأكلات الأردنية القريبة من السورية، إلا أن رمضان بالنسبة لنا لا يصلح دون إعداد المنسف الدرعاوي (البرغل والقمح واللحم واللبن أشهر مكوناته) والكبة المشوية والشيشبُرك والإرقاقة (عجين مع دجاج أو لحم على شكل طبقات)”.

ويمضي متسائلاً: “إلى متى سنظل محرومون من تزيين موائدنا الرمضانية؟ فأنا أعيش في الأردن منذ يناير (كانون الثاني) 2013، وكما ترى يوجد في البيت أطفال كثر، ولو أن الحرمان سيطالني وحدي فلا مشكلة لدي، لكن الأطفال لا ذنب لهم”.
وتعتمد هذه الأسر الأربعة في إنفاقها على المساعدات التي تتلقاها من المفوضية الأممية؛ حيث تحصل مجتمعة على 457 دولارا شهريا.

ولم يمنع مبلغ ثلاثة دنانير (4 دولارات) التي يجنيها “طلال المسالمة أبو هادي” (53 عاماً/من درعا) يوميا من عمله في محل لبيع المنظفات والورق الصحي، من شراء كمية قليلة من السمك والخضار، لتكون وجبة الإفطار له ولزوجته وابنته وابنه.

ويشير “أبو هادي” الذي يدفع أجرة مرتفعة لبيته الذي يسكنه والتي تصل لـ190 دينارا أردنيا (267 دولارا): “الله هو الوحيد الذي يعلم عن حالنا، وكثير من الأسر لا تغطيها سوى جدران البيوت، ولكن المائدة السورية لا تصلح دون الفتوش ، ورمضان شهر الخير الذي يعطي جميع المسلمين وقتاً لاستعراض ألذ المأكولات، ونحن كغيرنا رغم بعدنا عن بيوتنا، إلا أننا نفضل إعداد وجباتنا الخاصة”.

أما بالنسبة لـ”بسام الجاموس” (50 عاماً/من درعا وقدم إلى الأردن في العام 2011) فقد اختلف الأمر كليَاً، فهو ليس فقط سوري أراد إعداد وجبة الإفطار بمشاركة زوجته، وإنما كان هو سيد الموقف وصاحب اللمسات الفنية في تشكيل المائدة، النابعة من خبرته في ذلك، فعمله كطاهي لسنوات طويلة في أفخر مطاعم الخليج العربي، أتاح له ذلك، وجعل قطع الخضار تنساب بيده أثناء تجهيز طبقين من الفتوش والتبولة بدقائق معدودة دون أن يبذل أي جهد يذكر فيها، وكانت عملية التجهيز بمثابة استعراض يدلل على براعة وتميز المطبخ السوري.

ويوضح “الجاموس”، وهو ناشط في العمل الخيري‎ مع جمعيات أردنية، قائلاً: “شهر رمضان يختلف عن باقي شهور السنة، والأكلات السورية التي شحت خلال السنوات الماضية أصبحت حاضرة هذا العام، وأقول عن نفسي وليس عن غيري بأنني حريص كل الحرص على استمرار بقاء أشهى الوجبات السورية حاضرة على مائدتنا خلال هذا الشهر”.

وذكر مجموعة من أبرز الأكلات التي يشتهر بها المطبخ السوري، ويتركز صنعها في شهر رمضان؛ إذ اعتبر أن المليحي والكبة المطبوخة والمقلية من أهم وجبات رمضان لأهالي المنطقة الجنوبية في سوريا، بالإضافة إلى الأوزي، والمندي، والفطيرة الحورانية، والتسقية.

ورغم شدة المصاب الذي ألمَ بها جراء فقدها لاثنين من أبنائها الذين قضى أحدهم برصاصة غاشمة استقرت في رقبته عام 2013، وشظية قذيفة اخترقت صدر الآخر في العام التالي، لم تتوانى أم ميَاد (55 عاماً/من درعا) زوجة عوض الأكراد، أن تعد لما تبقى من أبنائها وجبة تليق بهم.

أم ميَاد، وهي ربه منزل، فضلت أن تكون وجبة إفطارهم هي المحاشي، لكن ملامح وجهها الحزينة لم توح بأنها خيارها جاء من باب العودة لأيام خلت، وإنما لإضاعة أوقات الصيام الطويلة التي سترغمها على التفكير بولديها اللذين خطفتها الحرب من أمام عينيها، وكي لا تبقى مماحصة ببكرها ميَاد، فهو مشلول الأطراف منذ ولادته.
ولا يعمل زوج أم ميَاد، وتعتمد العائلة في إنفاقها على المساعدات، وما يجنيه ابنهم محمد (25 عاما) من عمله في أحد مطاعم المفرق‎.

جدير بالذكر أن معظم اللاجئين السوريين في الأردن يعتمدون على المساعدات التي يقدمها برنامج الغذاء العالمي على شكل كوبونات غذائية لنحو 530 ألف لاجي في الأردن فقط؛ حيث يعتبر أن العدد الباقي غير مستحق للمساعدة.

ويتلقى نحو 100 ألف لاجئ داخل المخيمات، وعددها 5 في الأردن، كوبونات غذائية بقيمة 28 دولاراً لكل شخص شهرياً، بينما تختلف قيمة الكوبونات الممنوحة شهرياً إلى اللاجئين خارج المخيمات، حسب تقييم البرنامج لمدى حاجتهم للمساعدة؛ فهناك 210 آلاف منهم يتلقى كل واحد 28 دولاراً، بينما يتلقى كل فرد من بين 220 ألفاً آخرين مبلغ 14 دولاراً فقط.

ويعتبر الأردن الذي يزيد طول حدوده مع سوريا عن 375 كم، من أكثر الدول استقبالًا للاجئين السوريين الهاربين من الحرب، إذ يوجد فيه نحو مليون و390 ألف سوري، قرابة النصف مسجلين بصفة “لاجئ” في سجلات مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، في حين أن 750 ألفا منهم دخلوا قبل الأزمة، بحكم النسب والمصاهرة والعلاقات التجارية”.

المصدر: وكالة الأناضول

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى