إدلب مهددة مائياً… واقتراح بفرض رسوم على المعابر مع تركيا

راديو الكل ـ خاص

شهد اقتصاد إدلب منذ العام 2011 تدهوراً في مؤشراتِ الأمنِ الغذائي، نتيجةَ الانخفاضِ الحاد في الإنتاجِ الزراعي والغذائي.

وبينت دراسةٌ صادرة عن مركزِ عمران للدراساتِ الاستراتيجية بعنوان الأمنُ الاقتصادي ضرورةً للإدارة وتنميةِ المرافق أعدها الباحث “محمد مصطفى”، أن الأمنَ المائي يعتبر أهمّ تحد في اقتصادِ إدلب بسببِ الاستنزاف والتلوث الكبير الذي أصاب المواد المائية خلال الأعوام الأربع الماضية. حيث بلغ متوسط إنتاج المياه في محافظة إدلب لعام 2010 ماقدره 55660 ألف متر مكعب، ويستهلك منها 41938 ألف متر مكعب محلياً، وفي حين بلغ عدد الآبار الجوفية في المحافظة 12041 بئراً في العام 2011، إلا أن نسبة الآبار الفعالة منها لايتجاوز 42% في الوقت الحاضر

وقد اجتمعت عدة عوامل أدت إلى تراجع إنتاج المياه ويأتي على رأسها شح إمداد الكهرباء ونقص الوقود في المحافظة، إضافة إلى الحفر الجائر للآبار الجوفية.

وبينت الدراسة أن محدودية مصادر الماء دفعت العديد من السكان للاعتماد بشكل أكبر على المياه المنقولة لسد احتياجاتهم، إلا أن غياب آليات مراقبة أسعار تداولها تسبب في ارتفاع تسعيرتها واستغلال تجارتها على حساب حاجة السكان، وقدر عدد من هم في حاجة إلى الماء وخدمات النظافة والصرف الصحي إلى 859000 شخص، وفق تقرير تقدير احتياجات المحافظة أجراه مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة نهاية العام 2014

تقليل الوجبات اليومية:

وأوضحت الدراسة التي أعدها الباحث الاقتصادي “محمد مصطفى” أن تدهورَ الواقعِ الغذائي اضطرَ السكانْ لتأمينِ آلياتِ تكيفٍ لتأمينِ غذائِهم اليومي تمثلت في تقليلِ حجمِ وعددِ الوجبات اليومية والتركيز على نوعٍ محدد من الأغذية إلى جانبِ الاعتمادِ بشكلٍ متزايد على الإغاثة الغذائية.

وعن مكونات الإنتاج المحلي، بينت الدراسة أن الزراعة هي المكون الرئيس للإنتاج المحلي في محافظة إدلب، حيث تتجاوز مساحة الأراضي الزراعية أكثر من 75% أي مايقارب 4 آلاف كم من المساحة الإجمالية للمحافظة، وكانت إدلب ترفد سورية بثلث أمنها الغذائي قبل الثورة، ولكن المحافظة شهدت في العام 2011 تدهور مؤشرات الأمن الغذائي متمثلة بشكل رئيس في انخفاض الحاد في الإنتاج الزراعي والغذائي مما أدى بطبيعة الحال إلى ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية وقلة توفرها

وتشير التقديرات الصادرة عن وحدة تنسيق الدعم أن هناك ما لايقل عن 379 ألف شخص بحاجة ماسة للمساعدة الغذائية حتى غاية شهر آذار لعام 2015

ويشير الواقع الحالي إلى اعتماد السكان بشكل أساس على الأسواق المحلية والمساعدات الغذائية التي تغطي نحو 60% من حاجياتهم، فعلى سبيل المثال لا الحصر، أدى شح مدخلات إنتاج الخبز إلى توقف عمل المخابز بنسبة 12%

الصناعة تفشل في إدلب:

ووضع الباحث محمد مصطفى بعض الخطوط العامة التي يمكن أن تساعد القائمين علي تحقيق الأمن الغذائي للسكان وتثبيت دعائم الاستقرار في المنطقة، وهي توفير المدخلات الزراعية  للفلاحين وتشجيعهم على زراعة ّ الأرض واستثمارها، والتركيز علي زراعة المحاصيل ذات المردودية الأعلى والأقل كلفة مثل شجرة القبار، والدفع باتجاه إحداث تكامل بين البيانات الخاصة بالأمن الغذائي وسبل المعيشة مع البيانات الخاصة بخارطة توزع النازحين داخل المحافظة بهدف تحديد الفجوات الغذائية، وتشجيع نشر المشاريع الصغيرة الزراعية والمتناهية الصغر مثل مشروعات الإنتاج الغذائي والحيواني واستخدام معايير فاعلة لإدارة المعلومات المتعلقة بتحديد أعداد المحتاجين للمساعدات الغذائية والإغاثية

وفي سياق دراسة مركز عمران لمقومات نهوض محافظة إدلب، تبين أن القطاع الزراعي يوفر 75% من مصادر الدخل الذاتي للمواطنين. في حين فشلت الصناعة في لعب دور متقدم في تأمين هذه الفرص، وتشكل 5 % فقط من إجمالي المدخول الوطني

وتظهر البيانات الصادرة عن وحدة تنسيق الدعم من شهر آذار لعام 2015 أن مصادر الدخل الرئيسية تعتمد بشكل أساسي على الزراعة وبيع البضائع والأعمال المؤقتة التي نشطت، حيث ارتفعت الحركة التجارية في البلدات القريبة من معبر باب الهو ى مع التحرر التدريجي للمحافظة وانتعشت الأسواق في كل من بلدات سرمدا ودركوش وسراقب وغدت من الأسواق الأكثر نشاطا تغطي مناطق واسعة من إدلب وأجزاء من مدينتي حلب وحماة

ويأتي في المرتبة الثانية توظيف أصحاب المهارات والأعمال التجارية الصغيرة التي ازدهرت في معظم مناطق المحافظة، حيث أسهمت هذه الأعمال في توفير سبل المعيشة للعديد من السكان.

ويواجه القائمون على شؤون المحافظة ـ حسب دراسة مركز عمران ـ تحديات أهمها إعادة تأهيل وبناء الأمن الاقتصادي، وايجاد سبل ً العيش للمتضررين من الحرب.

استراتيجية نهوض إدلب:

وأشارت الدراسة إلى أن المرحلة القادمة تتطلب تخطيطا ً ونهجا استراتيجيا تراعى فيه مصالح الفئات الأكثر تضرراً من المجتمع وتؤسس لسياسة مستدامة في النهوض بالمحافظة، ولا يمكن تحقيق ذلك دون وضع استراتيجية استجابة وتدخل مؤسساتي وبرامجي في المجال الإغاثي تعزز أداء المبادرات المحلية وتحقق درجة أوسع من التكامل البيني في القطاعات الحيوية المختلفة.

وتتضمن استراتيجية النهوض مجموعة من الأهداف أهمها  تمكين فئات مستهدفة من المجتمع ورفع كفاءتها الإدارية لإعداد العناصر القيادية المناسبة لإدارة وتنمية المرافق العامة، وتنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر ومساندتها من خلال العمل على رعاية وتنظيم أنشطة تمويلها والعمل على إزالة جميع العقبات التي تعترض إقامتها وتحقيق التكامل بين القطاعات الرئيسية المولدة لها، وتنفيذ استراتيجية إدارة متكاملة للموارد المائية في المحافظة بما يسهم في نمو القطاع الزراعي ورفع قدرة التأمين الذاتي للاحتياجات الغذائية والمعيشية الأساسية عبر تفعيل برامج فاعلة، والحد من ظاهرة الاتكالية والاعتماد على المساعدات الخارجية. وتوفير الحد الأدنى من الخدمات الصحية وتحقيق أعلى درجات التعاون والتنسيق بين المنظمات الإغاثية والتنموية.

المطلوب تأسيس مكاتب اقتصادية:

وأكدت الدراسة أن تحقيق هذه الأهداف يتطلب منهجية عمل متكاملة في إطار زمني محدد لقياس مدى نجاعة الوسائل المتبعة، وتتضمن: إجراء تقييم سريع لتحديد الاحتياجات والأولويات والجهات المعنية والشركاء المحتملين للمساعدة في عملية تأمين مقومات الأمن الاقتصادي. وتنمية قدرات المنظمات المحلية لإشراكها بشكل فاعل في عمليات التعافي المبكر للمجتمع، وتعزيز التماسك الاجتماعي، من خلال نشاطات أهلية محلية لاستعادة سبل العيش وتشجيع الاعتماد على الذات؛ وتأسيس مكاتب اقتصادية لدى المجالس المحلية لتشجيع الحركة التجارية بين مناطق المحافظة ووضع الضوابط الملائمة لعمليات الاستيراد والتصدير مع تركيا. بحيث تكون هذه المكاتب نواة هيئات ناظمة للحياة الاقتصادية في المستقبل. والعمل على توطين برامج تنمية متكاملة ومكملة للجهد المؤسسي المحلي تقوم على مبادئ الشراكة المؤسسية والتنموية الكاملة مع المؤسسات العربية والإقليمية والدولية والتي تحترم وتعزز حقوق وكرامة السكان. وتنمية قدرات المجتمع المحلي ومؤسساته كجزء هام ومكمل في مجالات التخطيط وإدارة الأزمات وحل النزاعات في مشاريع وبرامج التنمية المتوقعة.

واقترحت الدراسة أيضاً وضع خطة فاعلة لاستثمار المعا بر الحدودية الرسمية مع تركيا، من خلال فرض رسوم على عبور البضائع والأشخاص، مما يوفر عائد منتظم لخزينة المجالس المحلية في المحافظة.

تفاصيل أكثر نسمعها من الباحث ضمن مركز عمران للدراسات الاستراتيجية محمد مصطفى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى