“أب فقد ابنتيه.. وبنت نسيت والدتها.. وطفل اختلج ثم مات”.. صور من مجزرة الكيماوي

راديو الكل ـ خاص
أب يصرخ لفقدان ابنتيه إثر جريمة مروعة ارتكبها طيران النظام في غفلة عن عيون العالم قبل عامين، وعرفت باسم “مجزرة الكيماوي”
صحيح أنه ليس وحيداً في ألمه، لكن يختصر معاناة ذوي ألف وأربعمئة وست وستين شخص آخر قتلتهم المجزرة، إضافة لما يقارب عشرة آلاف حالة إصابة حسب مركز توثيق الانتهاكات في سوريا، وخاصة أن هول الفاجعة حوّل الضحايا لأرقام الصقت على جباههم سريعاً، وبعضهم دفن قبل تعرف ذويهم عليهم أو وداعهم نتيجة الحر الشديد لشهر آب، وعدم توفر ثلاجات لحفظ الجثامين، وحفرت القبور الجماعية بشكل ملاصق لضيق المساحات.
وبالعودة لساعة صفر الجريمة، فإنها بدأت مع القصف في الساعة الثانية بعد منتصف الليل والناس نيام، لم يكن يعرف سكان الغوطة النية الإجرامية الأخطر المبيته لهم، فما أن سمعوا أصوات القصف حتى نزلوا الأقبية وهو ما ساهم في تفاقم الأمور، حيث إن القصف بالمواد الكيماوية يتطلب التوجه إلى الأماكن العالية وليس العكس، أضف إلى ذلك فإن استهداف المنطقة أثناء نوم السكان زاد أعداد الضحايا
يقول أحد المصابين لمركز توثيق الانتهاكات في سوريا خلال زيارة الفريق لإحدى النقاط الطبية: كنا جالسين في البيت، وسمعنا صوت قصف بالصواريخ، ثم بدأ الجيران بالصراخ، وطلبوا المساعدة، وعندما ركضنا إليهم وجدنا النساء وقد أصبحن على الأرض، أمّا الأولاد فكانوا ينازعون الموت، وبعد وصولي إلى منزلهم أصابني الدوار وبدأت بالاستفراغ، وزحفت على ركبتاي حوالي كيلومتر حتى قام أحد المواطنين بإسعافي، كان هذا بزملكا، الرائحة كانت ثقيلة جداً، لم استطع تمييزها بالمطلق كانت تشبه رائحة الحرق قليلاً.
طفل آخر مات على مهل، لفظ أنفاسهم الأخيرة بمشقة، صار يترنح يمنة ويسرة، حاول الأطباء جاهدين بث أنفاس جديدة فيه عبر ضخ الأوكسجين.. لكن روحه لم تقاوم وصعدت إلى باريها.
آخر اختلج، صار يحرك أطرافه جميعاً لمدة دقيقتين أو يزيد، ثم توقف عن الحركة بالمطلق على غفلة من عيون العالم… ألصق رقم على جبينه ودفن مع من دفنوا.
يقول أحد المسعفين في نقطة الخولاني الطبية في حمورية لمركز توثيق الانتهاكات:” أثناء قيام فريقنا بالإسعاف من المنازل، كان المسعفون يضطرون لترك الشهداء في بيوتهم ويحضرون فقط الأحياء المصابين لكثرة الحالات وللتمكن من انقاذ الناس. جميع ماصادفناه من حيوانات أثناء عمليات الإسعاف كان ميتا في الطرقات”.
ويضيف زهير مبخر، المسؤول الاداري في قسم التوثيق في النقطة الطبية في عربين: جرى القصف بمنطقة ماهولة بالسكان الساعة الثانية ليلاً ، كنا نعاني من حصار أصلا في المدينة ويوجد نقص في الادوية وخاصة الاتروبين ولدينا نقص كبير في الاكسجين حيث يمنع ادخالهم الى المدينة المحاصرة
أجمعت شهادات الأطباء والمسعفين على عدد من الأعراض التي عانى منها المصابون والضحايا ويمكن تلخصيها بالإقياء، وسيلان اللعاب بشكل رغوي، هياج شديد، حدقات دبوسية، احمرار في العينين، زلة تنفسية، اختلاجات عصبية، توقف التنفس والقلب، خروج دماء من الأنف والفم، وفي بعض الحالات الهلوسة وفقدان الذاكرة.
واعتبر فريق الرصد الميداني في مركز توثيق الانتهاكات في سوريا أنه من أغرب الحالات هي طفلة لم تتعرف على والدتها وبقيت مصرة أنها ليست والدتها
“تقول الأم: كنا جالسين وفجأة سمعنا صوت سقوط صاروخ، ثم سمعنا الناس تنادي أنه قصف بالمواد الكيماوية، ثم طلبوا منّا الذهاب إلى أعلى البناء، ثم ذهبنا إلى أعلى البناء وأثناء تواجدنا سقط صاروخ آخر تأثر جميع الناس على إثره، وعندها غبت عن الوعي وأضعت عائلتي جميعها من بينهم زوجي واولادي، واستقيظت وأنا موجودة في هذه النقطة الطبية، وجاء أخ زوجي وأخبرني بوجود ابنتي هنا، وذهب وأتى بها، وقال أنه لا يعلم مكان بقية الأولاد ….
لكن الطفلة التي تسمع الحديث تقاطع الوالدة قائلة: أن هذه ليست والدتها، وهي تحلف أنّ هذه السيدة ليست والدتها، وتقول والدتي أسمها سمر المصري، أمّا هذه السيدة فليست والدتي.”ووفقا للطبيب المشرف على العلاج فإن حالة الطفلة النفسية سوف تتحسن خلال يومين

واليوم وبعد مرور عامين على مجزرة الكيماوي في الغوطة الشرقية، فإن سكان الغوطة الشرقية لازالوا صامدين رغم حصارهم، وإن كان العالم بأسره تواطأ لتبرئة رئيس النظام بشار الأسد من جريمته، فإن مستقبل سورية يعول على الأطفال الذين رأوا أنفسهم مشوهين لدى أول نظرة لهم في المرآة، فرضعوا الحرية مع حليب آمهاتهم .. تماماً كما تنفسوا سم نظام الأسد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى