شراكات رؤوس أموال المصارف الخاصة مع نظام الأسد منعتها من مغادرة القطر

راديو الكل

نشرت صحيفة واشنطن بوست الاميركية مقالة عن الكاتب “رشاد القطان” حول سبب عدم انهيار البنوك والمصارف السورية، رغم الحرب الدائرة والعقوبات المفروضة على النظام

حيث أكد الكاتب ضمن مقالته بأن القطاع المصرفي السوري استطاع النجاة من العاصفة التي تمر بها سوريا وذلك خلافاً لتوقعات الغرب وذلك من خلال أبحاثه والافصاحات التي تقوم بها البنوك المدرجة على قائمة سوق دمشق للأوراق المالية. هذا القرار الصعب الذي اتخذته هذه البنوك حيث انها تكافح الانكماش الاقتصادي والعقوبات الدولية وغياب الاستثمارات العامة والخاصة ورغم ذلك فإن أياً من تلك البنوك لم تعلن ايقاف عملها او اغلاقها.

ستة مصارف حكومية اضافة ل 14 مصرف خاص موجودة ضمن مناطق سيطرة النظام، البنوك الخاصة وهي اغلبها فروع اساسية لبنوك اقليمية عربية في كلاً من لبنان، الاردن، قطر، السعودية، الكويت، والبحرين قررت هذه البنوك استمرار عملها والبقاء لحين انتهاء النزاعات والتي ستبقى على الارجح ضمن البلاد لفترة طويلة. لقد عانت هذه البنوك التدمير والنهب لفروعها الموجود ضمن المدن التي تعاني من العنف والسرقة من قبل عصابات وميليشيات مختلفة، اضافة للتضييق على العملات الاجنبية والاختلاس من قبل بعض موظفيها.

ولفهم هذه المرونة عاد الكاتب الى التغيرات الجذرية في القطاع المصرفي خلال العقد الذي سبق قيام الثورة عام 2011، بداية من قرار حكومة النظام السوري خلال عام 2013 بتحرير القطاع المصرفي، بعد اعتلاء بشار الاسد للسلطة، والذي اذن بعده بنهاية احتكار السلطة للقطاع المالي من الناحية الفنية والذي يعود تاريخه لتأميم المصارف الخاصة في سوريا عام 1960، حيث كانت هذه اللحظة الفاصلة للاقتصاد السوري نحو تحريك الاقتصاد الاجتماعي مع اعتماد مبادئ السوق الرأسمالية.

وقد هدف بشار الاسد الى تجديد وتطوير العقود الثلاث السابقة التي مرت بها البلاد من الاشتراكية، الى سياسات اقتصادية ليبرالية جديدة، ومن ثم تحويل الاصول العامة في نهاية المطاف الى شبكة رأسمالية تديرها الفئة المقربة من النظام  وقد توج هذا التوجه بإنشاء سوق دمشق للاوراق المالية عام 2009، حيث وصل عدد الشركات المدرجة مع نهاية عام 2011 إلى 23 شركة تغطي عدة قطاعات مثل النقل والصناعة والزراعة، بينما هيمن القطاع المصرفي على القسم الأكبر من قيمة التبادلات والانشطة التجارية ضمن السوق.

لم يكن المقصود من الاصلاح المالي في البلاد، القضاء على البنوك الحكومية، وفي حين أن هناك ستة مصارف حكومية، يبقى المصرف التجاري السوري، الأكبر في البلاد من حيث التعاملات والخدمات المقدمة، حيث يبلغ رأسمال المصرف التجاري السوري حوالي 7 مليار ليرة سوري، أي مايعادل 1.55 مليار دولار، قبل اندلاع الثورة حيث كان يبلغ سعر تصريف الدولار (45) ليرة سورية للدولار الواحد، والتي تعادل تقريباً مجموع رؤوس أموال البنوك الخاصة ال14 مجتمعة، ويعود ذلك بدرجة كبيرة، إلى تمركز المعلاملات والودائع المالية الحكومة ضمن المصرف التجاري، إضافة لاحتكار المصرف التجاري الميزانيات والايرادات لاكبر المستمثرين وارباب العمل، الا وهي الحكومة السورية، النظام المصرف الخاص الذي أنشأه النظام حديثاً، يعيد توزيع الحصة السوقية المحتكرة من قبل المصارف العامة مع المقرضين من القطاع الخاص، مع الحفاظ على درجة من الحماية للمصارف الحكومية عن طريق احتكارها لبعض الخدمات المصرفية، هذه الاجراءات كانت جزءاً من ماسماه “Raymond Hinnebusch” الحل الوسط، وذلك من خلال السماح للقطاع الخاص بالتوسع، في حين أنه ظاهريا هو إعادة إصلاح للقطاع الحكومي.

لقد جذبت البنوك الخاصة المزدهرة رجال الاعمال اصحاب النفوذ السياسي، بما في ذلك العديد من السياسيين السابقين ومسؤولين امنيين كبار في الحكومة السورية، كشركاء طبيعين للمستثمرين من المؤسسات الاجنبية، حيث تفرض الحكومة السورية وجود شريك محلي بنسبة 51 بالمئة من رأس مال المنشاة مقابل 49 بالمئة للمستثمر الأجنبي للحصول على رخصة العمل، وقد رصد مؤخراً تقرير صادر عن البنك المركزي الدولي، تشابكاً بين بنية الملكية والاستثمارات المشتركة للمقربين من نظام الحكم في مصر، ومن خلال الافصاحات التي قدمتها المصارف الخاصة المدرجة في سوق دمشق للاوراق المالية، تشير إلى وجود اتجاه مماثل لنظيره في مصر، والذي بدوره قد يؤثر على رجال الأعمال السوريين البارزين حيث أنه قد يعاقب بعضهم على دعمه للنظام السوري من خلال إما ملكيتهم لعدد كبير من الأسهم أو حتى وجودهم في مجالس الادارة لعدد من البنوك المختلفة.

كما يظهر البحث الذي قام به الكاتب بأنه هناك لايقل عن 23 من المستثمرين الافراد، يمكلون أكثر من مليون سهم، مع أكثر من 36 مليون سهم بالمجموع العام، هؤلاء الأفراد يشكلون 4.5 بالمئة على الأقل من اسهم البنوك الخاصة، و 11 بالمئة من ملكية الاوراق المالية.

وهذا يعتبر دلالة على ظهور جيل جديد من رجال أعمال النظام، والذين تحولو من مجرد علاقة تحالف منذ وصول بشار الاسد للسلطة، إلى العمود الفقري للنظام السوري في الوقت الحالي، وذلك من خلال المشاريع التجارية المشتركة والزواج من أفراد الاسرة الحاكمة، وقد ترجم هذا التحالف إلى هيمنة رجال أعمال النظام على القطاعات المربحة، بما في ذلك الطاقة، الخدمات المصرفية والمالية، البناء والسياحة والذي بدوره يضمن البقاء الاقتصادي للنظام السوري.

الولايات المتحدة الاميركية والاتحاد الأوربي ومن خلال جهودهما الرامية إلى عزل النظام ، قامتا بفرض عقوبات على العشرات من المسؤولين الأمنيين والسياسيين ورجال الأعمال، حيث انه بعضاً منهم من المساهمين وأعضاء مجلس إدارة المصارف الخاصة، وقد كان الهدف من تلك العقوبات تعطيل الروابط الوثيقة بين الاقتصاد والسياسة في البلاد، إضافة لفضح هذه العلاقات المزورة بشكل موثق. ومع ذلك فقد فشلت هذه السياسة إلى حد كبير، حيث أن معظم رجال الاعمال لديهم استثمارات كبيرة في البلاد تفوق الاصول والمصالح التجارية لديه في الخارج، وإن صلاتهم الوثقى مع النخبة السياسية في البلاد جعلتهم يستنثمرون بشكل أكبر في بقاء النظام.

وبعد أكثر من أربع سنوات من العقوبات المشددة على تلك الفئة من رجال الأعمال، لم تثنهم عن ايقاف دعم النظام والتخلي عنه، بينما قرر عدد قليل منهم تصفية هذه البنوك، بينما قامت بنوك أخرى فعلياً بزيادة استثماراتها بالرغم من المخاطر التشغيلية والامنية الكبيرة. الاستثمارات الكبيرة التي قام بها رجال الاعمال، إضافة للحاجة إلى خطة لإعادة اعمار البلاد دولياً وبمشاركة القطاع الخاص بعد انتهاء الصراع، تفوق فرصهم حال خروجهم من البلاد. ومن المفارقات أن إعادة إعمار البلاد في المستقبل قد يكمن في ايديهم، إلا إذا قررت الحكومة الجديدة مصادرة أصولهم وتوجيه ضربة قوية لهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى