“مارشال سورية”.. خطة لتخليص البلاد من دمار يزيد عن الحرب العالمية الثانية


راديو الكل ـ خاص

قالت دراسة صادرة عن مركز عمران للدراسات الاستراتيجية أن الاقتصاد السوري تحول خلال السنوات الأربع الماضية إلى اقتصاد حرب تمنح فيه الأولوية لتأمين المواد الأساسية، حيث يعاني أكثر من 13 مليون مواطن سوري من نقص شدد في الغداء والدواء والمياه الصالحة للشرب والوقود والمأوى والتعليم وغيرها.

 

وأشارت الدراسة المعنونة بـ “آليات استعادة الاستقرار في سورية والانتقال للدولة الآمنة” إلى انخفاض في الناتج المحلي الإجمالي وصل إلى 25.5 مليار دولار في نهاية العام 2014، وارتفع معدل البطالة إلى مايقارب 57%، ومعدل التضخم إلى 173% كما انخفضت قيمة الصادرات إلى 1.3 مليار دولار وفقدت العملة السورية ثلاثة أرباع قيمتها منذ منتصف آذار 2011

واقترحت الدراسة اطلاق برنامج وطني يشبه مشروع مارشال الذي أطلق في نهاية الحرب العالمية الثانية لإعادة إعمار ألمانيا ومدن أوروبا الغربية المدمرة واليابان، وهو المشروع الذي وضعه الجنرال جورج مارشال رئيسة هيئة أركان الجيش الأميركي أثناء الحرب العالمية الثانية ووزير الخارجية الأميركي في العام 1947، وكان أهم عوامل نجاح هذا المشروع مساهمة رؤوس الأموال الوطنية المهاجرة فيه، واستثمار كامل إمكانياتهم على قاعدة وطنية وليس على قاعدة تقاسم الكعكة، كما يتوجب تصميم براج تعتمد مبدأ التمكين الاقتصادي والاستثمار مع الفقير والقيام بأعمال اقتصادية مع الفئات المهمشة من محدودي الدخل.

وقال الباحث الاقتصادي محمد العبد الله لراديو الكل والذي أعد الشق الاقتصادي في دراسة مركز عمران إن سوريا تمتلك مقومات اقتصادية تؤهلها لإعادة الإعمار السريع في حال توفرت خطة متكاملة وتمويل مناسب لذلك، منوهاً بأن يفضل الاعتماد في إعادة الإعمار على رأس المال المحلي من خلال استقطاب رؤوس الأموال السورية ووضع اليد على مقدرات الفساد في يد النظام، والتركيز على القيمة المطلقة في قطاعات غير مستثمرة بعد ويمكن اللجوء للبنك الدولي.

وعن إمكانية نجاح خطة مارشال في سورية أكد العبد الله أن نجاحها مرتبط بالثقة وإعادة التلاحم المجتمعي. منوهاً بأن العقود التي وقعت مع إيران وروسيا لإعادة الإعمار مرتبطة بالتفاهمات الدولية حول مستقبل سورية وبالتوافق بين جميع الأطراف المعنية بالقضية السورية.  معتبراً أن الوازع الوطني سيكون هو المحفز لرؤوس الأموال المهاجرة لإعادتها ومساهمتها في إعادة الإعمار

الاقتصاد الآمن.. متى؟

وعن آليات الانتقال للاقتصاد الآمن، قال العبد الله: إن رسم خطوات وقف التدهور الاقتصادي صعبة وذلك بسبب ربط النظام المؤسسات الاقتصادية بالسياسية، ولكن أكد أنه يمكن البدء برسم استراتيجية اقتصادية تنموية في الشمال السوري المحرر بناء على المواد الطبيعية الموجودة في تلك المناطق، وبدء برامج تمكين اقتصادي فيها حيث يؤدي ذلك لاستقرار اقتصادي واجتماعي ويدعم الأمن الاقتصادي

وعن جدوى اللجوء للاقتصاد الحر في مرحلة إعادة الإعمار وخاصة أن هذا الاقتصاد ساهم بتجويع السوريين في عهد النائب الاقتصادي السابق عبد الله الدردري، قال: المشكلة ليست بالاقتصاد الحر بل بالمافيا الاقتصادية في نظام الأسد والتي سيّرت الاقتصاد وفق مصالح شخصية، الأمر الذي منع السوريين من قطف ثمار هذه التجربة الاقتصادية.

ورأت الدراسة أنه لن يكون للحكومات القادمة قدرة على تلبية الطلبات على الموارد الكبيرة وخاصة في ظل هروب رؤوس الأموال، مقترحة تهيئة البيئة القانونية والتشريعية والاقتصادية اللازمة لتشجيع دخول الشركات الاستثمارية في كافة المجالات، مع مراعاة بقاء أغلبية الأسهم لطرف سوري للحفاظ على السيادة الوطنية، ويجب أن تسخر العوائد المتوقعة من فتح الأسواق السورية أمام الاستثمار الوطني والدولي لتقديم خدمات مميزة وشبه مجانية في قطاعي الصحة والتعليم، كما يتوجب تمكين المجتمعات المحلية وخطة خطة اللامركزية الإدارية من إدارة قطاعي التعليم والصحة وتشجيع الموارد الوقفية لإدارتها مما يخفف العبء الإداري والمالي على الحكومة المركزية.

أولويات إعادة الإعمار

لخّصت دراسة مركز عمران للدراسات الاستراتيجية أولويات إعادة إعمار سورية بتوفير الخدمات الأساسية في المرحلة الانتقالية ولاسيما على صعيد تحقيق الأمن الغذائي والصحي وتوفير الكهرباء

كما تتضمن الأولويات خلق البيئة التشريعية لإطلاق الصناعة الخاصة والتصدير، وتعزيز برامج التعليم في قطاعات التنمية المستدامة مثل الزراعة والتكنولوجيا التطبيقية، ودعم أجهزة الرقابة والمحاسبة والشفافية، وتأسيس صندوق خاص لإعادة الإعمار وتعويض المتضررين، وتأسيس هيئة وطنية للتمكين الاقتصادي وتطوير مشاريع تنموية لتوظف أكبر عدد ممكن من الأيدي العاملة.

ورأت الدراسة التي حصل عليها “راديو الكل” أن القطاع العام يلعب دوراً مهماً في مرحلة إعادة الإعمار في توجيه الاقتصاد، حيث لا يمكن ترك هذه المهمة للقطاع الخاص فحسب، كما تتطلب إعادة الإعمار التركيز على تنمية القطاعات التي يمكن أن تسهم بشكل أساسي في تشغيل اليد العاملة لما لذلك من دور إيجابي في تخفيف معدلات البطالة، مشيرة إلى ضرورة التركيز على المدن الصناعية في حلب وحمص ودمشق ودير الزور، وخاصة أن هذه المدن قادرة على إنتاج كافة مستلزمات إعادة الإعمار كونها تحوي على مصانع للاسمنت والحديد ومستلزمات عمليات البناء والاكساء

الوظيفة الزراعية هي الأفضل:

وأكدت الدراسة أن تأهيل القوى العامة وتشغيلها هو الهدف الوسيط الأول في مشاريع إعادة الإعمار، معتبرة أن التوظيف في قطاع الزراعة هو الأجدى في سورية، وذلك من ناحية خلق فرص عمل وتحقيق الأمن الغذائي وتأمين مصادر تمويل مستقبلي لقطاعات اقتصادية أخرى وخاصة الصناعة، وخاصة أن كلفة خلق فرصة عمل في الزراعة لا تتجاوز ثلث مثليها في الصناعة، وخمس مثليها في الخدمات.

وتحدثت الدراسة عن أهمية استغلال الطاقات البشرية في مخيمات النازحين واللاجئين في دول الجوار ممن هم في سن العمل والإنتاجية، بحيث لا تشكل مخيمات النزوح في الداخل تهديداً للأمن الاقتصادي في سورية، حيث إن هؤلاء النازحين تركوا العمل في الإنتاج الحيواني والزراعي مما أثر سلباً على الناتج القومي، واعتمدوا على المعونات الخارجية والتي مثلت تحدياً للأمن الاقتصادي ومن شأنها تهديد الأمن العام الوطني مستقبلاً..

شروط الاقتراض الخارجي:

وعن طرق التمويل رأت الدراسة أن الموارد المحلية هي الوسيلة المثلى، ويمكن اللجوء لتمويل السوريين في الخارج عن  طريق صناديق استثمارية ووقفية وإنشاء شركات مساهمة ومنحهم امتيازات مناسبة، ويمكن اللجوء إلى التمويل الخارجي والصناديق الدولية بشروط مقبولة وغير إعجازية ما أمكن.

وحددت دراسة مركز عمران شروط للجوء لتمويل مؤسسات الأمم المتحدة بما يحافظ على السيادة الوطنية وأهمها حصر الشروط بالجانب الاقتصادي وعدم تقديم تنازلات سياسية، واقتراض الحد الأدنى الممكن لعدم رفع الدين الخارجي نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي، والمفاوضة على الشروط وتأمين خطة إعادة الدين وفوائده قبل التقدم للقروض والتأكد من النزاهة الإدارة والإفادة من الخبرات المماثلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى