معارك الثوار والحل السياسي

فؤاد عزام 

المعارك التي فتحها الثوار في كل من شرق دمشق وريف حماة الشمالي , كانت مفاجئة للنظام وداعميه من الروس والإيرانيين وميليشياتهم متعددة الجنسيات , فتلك المناطق مازالت تشهد أعنف المعارك في ظل تقدم واضح للثوار فيها وسيطرتهم على عدة مناطق استراتيجية .

لا يبدو أن تلك المعارك ستتوقف بحسب قادتها الميدانيين , فهي حققت نجاحات لم تكن في حسابات النظام الذي أصيبت قواته بحالة من الهلع , وهو ما ظهر من حالات الفرار رغم الأوامر التي تلقوها من العسكريين الروس بحسب ما ذكرت مصادر إعلامية روسية .

تقدم الثوار في كل من دمشق وريف حماة يأتي في أجواء انعقاد جولة جديدة من مفاوضات جنيف , والتي كان يعمل الروس على استثمارها في إطار تنازلات سياسية للأوضاع الميدانية التي سبقت تلك المعارك سيما عملية التهجير القسري لسكان حي الوعر في حمص والتي روجوا على أساسها بقرب نهاية الحرب بحسب تعبيرهم .

لا شك أن تلك المعارك ونجاحات الثوار تؤكد أن الثورة مستمرة , وأن آمال النظام ومن خلفهم الروس في كسر إرادة السوريين لم تكن حقيقية وذات معنى على أرض الواقع , ورغم الضخ الإعلامي والتصريحات السياسية التي وظفت لذلك فهي الآن لا تعدو كونها حربا نفسية تستند على تقدم محدود في بعض الأماكن المتفرقة .

وتؤكد أيضا أن النظام ومن خلفه الروس والإيرانيين وميليشياتهم متعددة الجنسيات ورغم توحشهم لم ينجحوا في تغيير المعادلة العسكرية وإلغاء المعارضة السياسية . بحيث تم البناء على التطورات الميدانية بالنسبة للمعارضة وأعلنت رفضها ” مشروع الدستور ” الذي طرحه الروس وأعلن النظام موافقته على مناقشته , وطالبت المعارضة بمناقشة إعلان دستوري وليس كتابة الدستور الذي هو نوع من التكتيك المبني على الترويج لما يطرحه النظام حول بعض الخطوات ” الإصلاحية ” التي لم تكتسب أية مصداقية .

تحمل التطورات الميدانية الأخيرة رسالة أيضا وهي أن أي المفاوضات  في ظل استمرار انتهاكات النظام وروسيا وإيران لإتفاق وقف اطلاق الذي ضمنه الروس أنفسهم مع الجانب التركي , تعني استسلاما من قبل المعارضة , فالنظام لن يقدم لها أي شيئ على طاولة المفاوضات في ظل غياب التوازن على الأرض .

الرسالة الأهم التي توجهها معارك الثوار وهي أنهم مازالوا يمتلكون زمام المبادرة , وأن تقدمهم هو محصلة التنسيق والتعاون فيما بينهم تحت هدف واحد , سيما وأنهم يسيطرون على مناطق في البلاد هي أكبر مما يسيطر عليه النظام من حيث الحجم والسكان , وذلك على الرغم من الحصار والتفوق الجوي والقصف والقتل اليومي الذي تنفذه قوات النظام ضد المدنيين في تلك المناطق .

قد تجعل رعونة النظام ر وهمجيته واستهتاره بدماء السوريين , ومن خلفه إيران خصوصا في التفكير بإعادة سيناريون حلب والسيطرة على الغوطة الشرقية , لكن ذلك يتوقف على موقف الروس وهم يقومون الآن برعاية مفاوضات سياسية سيما في استانة , فلا شك أنهم يدركون أيضا أن هكذا احتمال سيكون صعبا لما يترتب عليه من كلفة بشرية ومادية كبيرة رغم أن الروس يرغبون في أن يتحقق مثل هذا السيناريو فهم يخططون للبقاء طويلا في البلاد .

لا تعيد المعارك الأخيرة التوازن فقط على الأرض بل إنها تفرض على النظام وداعميه الحد الأدنى من شروط الثورة السلمية والتي على رأس أولوياتها أن يتوقف عن إطلاق النار سيما على المناطق السكنية والمدنيين العزل .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى