الثوار قد يتجاوزون طريق الحل السياسي الوعر باتجاه منعطفات ميدانية أكثر جدوى

فؤاد عزام – راديو الكل

من بين الشروط التي وضعها الجيش الحر لوقف معاركه في كل من دمشق وريف حماة الشمالي , وقف عمليات التهجير القسري للسكان ,والتزام النظام وداعميه الروس وإيران وميليشياتها بوقف اطلاق النار , إلا أن عملية تهجير أهالي حي الوعر في عاصمة الثورة استؤنفت برعاية روسيا , فتواصلت المعارك وتوعد الثوار بأنها ستحمل مفاجآت رغم تهديدات روسيا ومشاركتها قوات النظام في تلك المعارك .

مع استمرار نزيف الدم على الأرض السورية نتيجة توحش الروس عسكريا وسياسيا , لا شيء على الصعيد السياسي تغير كما يرغب السوريون سوى شكل التصريحات التي تنهمر في جنيف , فلا المجتمع الدولي يأبه لكارثة السوريين التي ألحقها بهم النظام والروس والإيرانيين وميليشياتهم متعددة الجنسيات  , ولا دعاة الحل السياسي من القوى العظمى يعملون على وقف الحرب , بل هم منهمكون أكثر في أجنداتهم الخاصة وبإفراغ بنودها بحجة محاربة داعش في بناء قواعد عسكرية لهم في الشمال السوري ورعايتهم فصائل بعينها .

بموازاة ذلك تبدو أجندة الروس الذين يرعون ” الحل السياسي ” في أستانة وجنيف أيضا ليس تنسيق عمل الطيران الحربي الإسرائيلي وغيره في الأجواء السورية فحسب بل الوصاية شبة الكاملة على البلاد , فمنذ تدخلهم العسكري المتوحش , وإنقاذهم النظام الذي كان آيلا للسقوط , لم يتركوا وسيلة إلا واستخدموها للقضاء على الثورة من جانب , وتدعيم النظام الذي ازداد مع ذلك هشاشة , فيما بدت مع لك تهديداتهم متجاوزة إلزام أنفسهم بالوقف الشامل لإطلاق النار , وهم أحد الضامنين له في اتفاق أنقرا الموقع بتاريخ 30 كانون الثاني الماضي .

الرعاية الروسية للحل السياسي من المنظور الأخلاقي , لا تختلف عن رعايتم التهجير القسري ومصالحات الاستسلام من خلال مركزهم في حميميم , هذا المركز الذي ما انفك ينتقد في الوقت ذاته ضباط وعناصر النظام الذين يفرون من المعارك , ولا يرى حرجا في الإعلان أنه لولا العسكريين والخبراء الروس لكان الثوار وصلوا إلى قلب العاصمة , وهم بهذا لا يمارسون ضغطا على النظام والإيرانيين للالتزام بوقف إطلاق النار بل دعمه في مواصلة الحل العسكري الذي تبدو معه أطروحة الحل السياسي لا تعدو كونها مهزلة لذر رماد وغبار قصفهم في عيون المتأملين بقرب نهاية الحرب .

قبيل معارك دمشق وريف حماة وحدهم الثوار من التزم باتفاق وقف إطلاق النار , بينما واصل النظام ومن خلفه إيران وميليشياتها على وجه الخصوص وبرعاية روسيا ودعمها المعارك وقضم الأراضي , وهذا كان أحد أهم الأسباب التي حدت بالثوار إلى إطلاق معاركهم , فهي إن لم توازن ما بين آلام السوريين وآمالهم فإنها لقنت النظام وداعميه درسا جديدا بأنهم  لن يستطيعوا حسم الصراع بالحل العسكري , ورفعت أيضا نسبة الإحباط لدى الموالين إزاء  قدرته على تنفيذ مقولته المستمرة منذ أعلن الحرب على السوريين من أنها ” باتت بحكم المنتهية ” .

ليست الرعاية الروسية للمفاوضات بغطاء أممي سوى طريقا للمماطلة بهدف تمكين النظام من التقاط أنفاسه بغية السيطرة على مناطق جديدة , لكن اللافت هو أن وفد المعارضة الذي يتسلح هذه المرة بإنجازات مهمة حققها الثوار في كل من دمشق وريف حماة الشمالي وتحمل أهدافا سياسية أكثر منها ميدانية , لم يستطع استثمار أو توظيف تلك الإنجازات في جنيف , فبدت التصريحات التي عكست أجواء أدائه في المفاوضات تؤشر إلى حالة من الدفاع عن النفس أمام هجوم النظام من خلال السلة الرابعة التي أضافها والمتعلقة بالإرهاب .

من المهم أن يتساير عمل الوفد المفاوض مع مواقف الثوار ورغم ضرورة المطالبات ورفع المذكرات للأمم المتحدة وغيرها إلا أن الأهم هو وضع الشروط السياسية , والبناء على شروط الجيش الحر التي وضعها , فهذه تستند إلى واقع حقيقي لم تلبث أن تدحرجت معه قوات النظام على الأرض بشكل سريع , ما أدى إلى إضعاف موقف النظام السياسي داخليا أكثر , وهو ما انعكس مباشرة على لغة التفاوض بحيث بدا مندوبه ” بشار الجعفري ” قلقا ومرتبكا حين تحدث عن معركة دمشق وريف حماة الشمالي , إذ أن النظام وداعموه يدركون أكثر من غيرهم حقيقة إمكانيات الثوار في إحداث خلل في التوازن الذي يرغبون به .

معارك الثوار كما طبيعة وأهداف كل المعارك هي استمرار للسياسة بشكل أو بآخر , وبالتالي فمن الصعب قبولهم بعدم انعكاس نجاحاتهم وتضحياتهم على الواقع السياسي لجهة تلبية شروط الحد الأدنى التي وضعوها , وهو مايعني  أنهم في مرحلة ليست بعيدة سيجدون أنفسهم وقد تسارعت وتيرة إيقاع عملياتهم العسكرية , وتعددت المعارك وازدادت تنوعا ما يعني عاصفة شديدة , سيما وأنهم الآن في طور إعادة بناء قواهم الذاتية على إيقاع المعارك الدائرة , فليس ثمة فصيل منهم راض عن التطورات السياسية الحالية , وعليه فمن المرجح تجاوز وعورة الحل السياسي الهش وغير المثمر إلى الآن , والإنعطاف أكثر نحو حلول الميدان الأكثر إقناعا .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى