ترمب “القبضاي” وبشار “الحيوان”

كمال عاصم

يبدو أن التغير في العالم لم يعد يشمل مصطلحات اعتدنا على سماعها مثل التغير المناخي والبيئي، فالعالم اليوم يشهد ما يمكن أن نسميه بالتغير الديبلوماسي العنيف، والذي بدأ يظهر جلياً من خلال تصريحات دبلوماسية غير اعتيادية من قبل مسؤولين كبار، كان آخرها وصف الرئيس الأمريكي المنتخب حديثاً لبشار الأسد في مقابلة مع قناة فوكس نيوز الأمريكية بأنه “حيوان”.

يأتي وصف ترمب لبشار الأسد بالحيوان مباشرة بعد قصف الولايات المتحدة لقاعدة الشعيرات الجوية بـ 59 صاروخ “توماهوك” دمرت ما يقارب العشرين بالمئة من مقدرات سلاح الجو التابع للنظام بحسب الرواية الأمريكية، وكان ترمب قد أمر بتوجيه هذه الضربة الصاروخية العنيفة للقاعدة التي انطلقت منها “طائرة بشار” والتي ضربت سكان خان شيخون بالصواريخ الكيماوية وأودت بحياة أكثر من 100 انسان نصفهم أطفال خلال دقائق.

انه ليس ما اعتدنا عليه من ظهور مقتضب وهادئ لرئيس بطقم أزرق وربطة عنق حمراء يصرح بعد مثل هذه المجزرة بأن “الرئيس السوري” أصبح خارج الشرعية وأنه تجاوز الخط الأحمر.. بل إنه “الحيوان” الذي علينا التخلص منه.

لم يكتف الرئيس الأمريكي الجديد بمفاجأته للعالم كله بفوزه بالانتخابات فحسب، بل يبدو أنه يفاجئ الجميع بتخليه عن التوازن الدبلوعسكري الأمريكي الذي تعودنا عليه ممن سبقه من سكان البيت الأبيض الوديعين، فرغم الحروب الكثيرة التي خاضتها وتخوضها الولايات المتحدة، ضد دول وزعماء وإرهابيين.. إلا أن الدبلوماسية الأمريكية كانت دائماً حذرة في تعاملها مع “العدو” ضمن البروتوكولات والمراسم الدولية و”اتيكيت” الحروب بين الدول، حيث كانت ترتدي دائماً ثوبها الأنيق في بياناتها، وتولي مهمة “القبضاي” للبنتاغون.

ترمب، الرئيس الجديد للولايات المتحدة، قرر أن يتولى مهمة القبضاي و”يربي” بشار بنفسه، وبطريقته، فعندما بدأ مجلس الأمن لعبة “مشروع القرار الغربي والفيتو الروسي” قام ترمب من مكانه دون أن ينتظر نتيجة يعرفها مسبقاً، وذهب بنفسه إلى قصر بشار، “رفس” الباب بقدمه وسحب بشار من أذنه إلى الشارع، وعلى مرأى الجميع صفعه، ثم وصفه بالحيوان ومضى.. إنه الإذلال بعينه.

بشار، الذي أنفق كل ما يملك من ذمة وضمير وأخلاق من أجل أن يرسم صورة ليست له كرئيس على الأقل بين المؤيدين والمنتفعين منه، يجد نفسه اليوم في مأزق شائك لم يكن يتوقعه، فحين رضي سابقاً بالوصف الروسي له بـ “ذنب كلب”، كان بالمقابل يتمتع بالحماية من نفس الروسي الذي وصفه بهذا الوصف، إنها علاقة أشبه ما تكون بعلاقة العاهرة بقوادها، حيث تتعرض العاهرة لجميع أنواع الإذلال على يد قوادها إلا أنها تشعر بالأمان النسبي معه نظراً لعلمها المسبق بالمنفعة المتبادلة في العلاقة مع قوادها، والذي لا يستطيع التخلي عنها في نهاية الأمر.

ترمب، الذي صرح قبل أقل من أسبوع من صفعته العسكرية لبشار بأنه ليس من أولوياته، وظف الأسبوع التالي كله للنيل من بشار، إعلامياً وبهجوم مباشر لشخص بشار وليس لنظامه على الأقل، فترمب الذي وصف بشار بالحيوان كان قد وصفه أيضاً بأنه ” شرير” واليوم يصفه بـ “الجزار”، وإذا قرأنا تاريخ انتاج برامج المصارعة الأمريكية الذي يعد ترمب أحد مشاهيرها والتي تعتمد على سيناريو مثير واحد ومتكرر في حلقاتها، فإن ما يبدأ عادة بفوز ” الحيوان الشرير” في الجولات الأولى، ينتهي بصحوة “القبضاي” والقضاء على “الحيوان” في الجولة الأخيرة.. والتي قد لا تبدو بعيدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى