الصحف العربية وقراءة في الدور الروسي المتصاعد في سوريا

للاستماع

واصلت الصحف العربية اهتمامها بملفات القضية السورية مبرزة الدور الروسي الآخذ في الاتساع وتأثيره المتصاعد ولاسيما بعد الاتفاق على إقامة مناطق تخفيف التوتر.

كتب عبد الوهاب بدر خان في صحيفة الحياة تحت عنوان “سورية الروسية” هل تختلف عن “سورية الأسد”؟

النتيجة التي تتوخّاها روسيا من الإقرار الدولي- الإقليمي بتفرّدها في إدارة المرحلة التالية من الأزمة السورية، وفي ربط المتغيِّرات الميدانية (مسار أستانة) بتغيرات في مفاهيم الحل السياسي (مسار جنيف)، هي أن تتكيّف الأطرافُ الداعمةُ للمعارضة مع الأمرِ الواقع.

وقال: إن الأمر الواقع يتمثل أولاً بأن روسيا، بمؤازرة إيران وميليشياتها، حَسَمت عمليًّا الصراعَ المسلّحَ وهي ماضية في إسكات ما تبقّى من جبهات عبر اتفاقاتِ «مناطقِ خفضِ التصعيد»، بل إن هذه الأطرافَ مدعوّةٌ أيضاً للتكيّفِ مع الأمر الواقعِ الروسيِّ- الأمريكي، كما تجلّى في هُدنةِ جنوبِ غربيِّ سورية، وكما استُكمل باتفاق أَوليٍّ على خريطةٍ تَوزُّعِ القُوى في محافظة الرقّة وعلى حدودها، وكما يمكن أن يتبلور أيضاً في تقاسمٍ محتَملٍ لمحافظة دير الزور.

وأضاف بدر خان ” أسئلة كثيرة تُطرح هنا في شأن الدول التي تُبدِّل مواقفَها. فهي لا تفعل ذلك براغماتيًّا ولا مجّانًا، وطالما أنها لم تكن/ أو لم تشأ أن تكون قادرة على التأثير في تطوّرات الصراع العسكري، فهل استطاعت تحسين شروط الحل السياسي عندما سلّمتْ ببقاء الأسد، وهل روسيا مستعدّةٌ لتوفير “ضماناتٍ” أو تعهّداتٍ مسبقةٍ في شأن هذا الحل، أم أنها تترك الأمرَ لمساوماتٍ ستكونُ متأخرة وغيرَ مُجدِية.

ففي الشؤون الاستراتيجية مثلاً ليس هناك ما يشير الى أن “وَحْدةَ سورية” ركيزةٌ أساسيةٌ لـ “الحل الروسي”، ولا ما يشير إلى أن الدول التي فَوَّضت روسيا اشترطت ذلك.

وليس واضحاً إذا كانت أمريكا حريصةً فعلاً وقادرةً على إلزام الروس بتحجيمِ الوجودِ الإيرانيِّ أو حظرِ تدخُّلِ الميليشيات الإيرانية بين سورية والعراق.

وختَم بدر خان بقوله: أما ما يخص الشروط الضرورية لأي حل سياسي فإن مبادراتٍ روسيةً مبكرةً لمعالجة مِلفَّي المعتقلين والمهجَّرين أو لتسهيلِ وصول مساعدات إلى مناطقَ محتاجةٍ يمكن أن تكون لها مساهمةٌ حيوية، وأن تُضفيَ شيئاً من الصِّدقية على النيات والأهداف الروسية، فلماذا تهتمّ موسكو بدسّ هذا المفاوِضِ أو ذاك في وفدِ المعارضة ولا تهتمّ بهذه المتطلَّبات الإنسانية، إلا اذا كانت تريد إخضاعها للتفاوض لمقايضة المعتقلين والمهجَّرين بتنازلات سياسية؟

وفي الحياة اللندنية أيضًا رأى موسى برهومة أن الأزمة السورية قد بدأت.

ويقول الكاتب “لا يظنَّنَّ أحدٌ أنّ المحرقة السورية انتهت. لقد بدأت الآن مع توارد الأنباء عن بقاء مجرم الحرب بشار الأسد في الحكم، ‘لحين انقضاء المرحلة الانتقالية’ كما تقول التحليلات، وهذه المرحلة قد تطول”.

ويضيف أن “المأساة تشير إلى هزيمةٍ ساحقةٍ للعقل والأخلاق والمنطق والوجدان، وسقوطٍ مدوٍّ للتآخي الإنساني والتعاطفِ الأمميِّ الذي يَقبل أن يواصل المجرمُ والسفاحُ عملَه حتى انتهاءِ وِلايتِه الدُّستورية”.

ثم يتساءل عن “البديل”، فيقول: “إن هذا لابد أن يُطرح أولاً على المعارضة السورية التي خذلت شعبها، وارتضت الارتهان لإرادة الدول والمنظمات، وأمزجةِ التوازناتِ التي فرّخت معارضاتٍ لا برامجَ حقيقيةً لديها، فتاهت البُوصِلة، وصار الطريق إلى دمشقَ يمر عبر بوابات العواصم والتحالفاتِ والأجنداتِ الدَّوليةِ التي حوّلت الدمَ السوريَّ إلى سلعة في بُورصة الدمِ والهمجيةِ والاستقرارِ المزعوم”.

في الأهرام المصرية كتب مكرم محمد أحمد: إذا كان الغرب قد اصطلح على ضرورة إنجاز التسوية السلمية للأزمة السورية لمنع المهاجرين السوريين من مغادرةِ أراضيهم والهجرةِ القسرية إلى أوروبا، كما اصطلح الروس والأمريكيون على رغم خلافاتهم المتزايدةِ على ضرورة الحفاظ على وَحدة الدولة السورية، يصبح من المهم والضروري أن تتوحد مواقفُ العرب الآن على المساعدة على إنهاء عذابات الشعب السوري، والمساعدةِ على عودة الاستقرار إلى سوريا بصرف النظر عن مواقف بعض العرب من نظام حكم بشار الأسد”.

وفي الأهرام أيضًا رأى أحمد أبو دوح  أن القاهرة أصبحت “طرفًا نزيهًا” في الأزمة السورية بسبب “عدم تلوث يدها… بدماء أيٍّ من جانبَي الصراع”، وأن هذا يُمكِّنُها من لعب دور سياسي في حل الأزمة.

يقول الكاتب: “الفرق بين مصر وباقي الدول العربية المؤثرةِ في الأزمة السورية منذ بدايتها هي أنها تحظى بشرعية أفقيةٍ أوسعَ كثيراً من باقي هذه الدول التي التهمتْها نيرانُ الصراع. هذا يعني أن بعض فصائلِ المعارضةِ وعددًا كبيرًا من المسؤولين في النظام، وكتلةً لا بأس بها من الشعب السوري قد تقبل بوجودٍ مِصري، ولا تقبل بدول عربيةٍ صارت في عيون كل هذه الأطراف أوراقًا محروقة”.

ويضيف “ليس مطلوباً من مصر سوى استغلالِ هذه النافذة التي فُتحت لها بذكاء… على المسؤولين المصريين وضعُ قدمٍ وتثبيتُها أولاً دون استعجال، ثم التحركُ بهدوء وببطء شديدَينِ نحو تحقيق مصالحهم – أيا كانت هذه المصالح – دون الاصطدام بأحد”.

في الشرق الأوسط كتب سمير عطا الله بعد مشاهدة صور الشرطة العسكرية الروسيةِ تُقيم الحواجز على طرقات سورية. بعد كل ما حدث، لم يعد مهمًّا على الإطلاق مَن يُنهي المِحنة السورية، ولا لونُ القبعةِ الحمراء، فهو، في أي حال، لونُ جميع القبعات التي تريد إنزال الخوف في الآخرين.

الأهم، شعب “البلدِ الضائع” الذي بدأ على ما يبدو لملمةَ أطرافهِ المشتعلةِ ما بين المناطق “المنخفضة التصعيد” والمناطقِ المقبلةِ على مزيد منه، وربما مما هو أسوأُ من كل ما حدث حتى الآن.
وفي قلب الصورة يبدو رجلٌ أبيضُ، أو بالأحرى شديدُ البياض، وقد أرسل بوتين صورتَهُ عاريَ الصدر، سابحاً في جليد سيبيريا يَصطاد السمكَ بيديه.

الشرطة العسكرية الآن هي التي توزِّع التصعيدَ والتخفيضَ والأدوار، ومن بينِها الدورُ الأمريكيُّ الذي بدأه أوباما في الخفاء ولم يُحدَّدْ لترمب حجمُهُ حتى الآن.
لكن لا شك في أن «المايسترو» هو عوّامُ سيبيريا.

وأحد أهم المظاهر مؤخراً، أُفولُ “جبهةِ النصرةِ” من لبنان إلى العمق السوري، ومعها انكفاءُ دَور قطر من سوريا إلى ليبيا.

وفيما أَوكلت الأممُ المتحدةُ إلى ليبيا واحداً من أبرع الدبلوماسيين الدَّوليين، غسان سلامة، لم تُسلِّمِ المشكلةَ السوريةَ إلى الأمم المتحدة إلا من حيثُ الشكل: إنها فضاءُ الروس، منذ البداية؛ إما بالتفاهم أو بالتضامن أو بالتراضي. خرجَ الدَّور القطري، وتبدَّل الدور التركي، وتغيَّر الدور الأوروبي، وليس واضحاً بعد ما الحجمُ الذي ستُبقيه موسكو للدور الإيراني، أو في أي جهة من سورية. وعلى ما يقول الذين لا جوابَ يملكون: فلننتظر الأيام الآتية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى