طبيب من المعضمية عن مجزرة الكيميائي: “هو يوم يذكرنا بأهوال القيامة”

نيفين الدالاتي/ راديو الكل

كانت مجزرة الكيميائي بتاريخ 21 آب/أغسطس 2013، نقطة فارقة في الملف الطبي في الغوطة المحاصرة، نظراً إلى الأعداد الكبيرة للشهداء والمصابين، وعدم استعداد المشافي والنقاط الطبية للتعامل مع حالات التسمم بالغازات السامة، بينما لم تقتصر معاناة الفرق الطبية على علاج ضحايا الهجوم الكيميائي، بل تعدتها إلى المسعفين الذين تحولوا إلى قتلى ومصابين.

واليوم وبعد أربعة أعوام، ليس من السهل على أطباء الغوطة الشرقية استذكار تفاصيل يوم الكيميائي، أو”الكابوس” بحسب وصف الدكتور، فايز كربوج، من مديرية صحة ريف دمشق.

يقول الدكتور كربوج، وهو أحد الفرق الطبية في مدينة معضمية الشام، والشاهد على مجزرة الكيميائي: “كانت الساعة الخامسة فجراً يومها، وكنت مناوباً في المشفى وبين يدي عملية ولادة قيصرية لحظة وصول أنباء تتحدث عن قصف الغوطة بصواريخ محملة بالمواد الكيميائية، للوهلة الأولى كنا نعتقد استحالة ذلك، بسبب جغرافية المنطقة القريبة من العاصمة دمشق ومطار المزة، إلا أن الأعراض التي ظهرت على المصابين كانت تشير إلى التسمم بالغازات السامة من دون تحديد ماهية الغاز المستخدم، وهي ضيق في التنفس، وتشنجات وتقلصات عضلية واختلاجات، وخروج زبد من الفم، وصغر في حدقة العين أو -الحدقة الدبوسية- كما تعرف، ومع تفاقم هذه الأعراض اتضح للفريق الطبي أن الغاز المستخدم هو السارين”.

ويتابع الدكتور كربوج: “خلال لحظات بدأ توافد العشرات من الحالات، وبدأت عملية إسعاف المصابين برش المياه عليهم، وإعطائهم مركبات الأتروبين، إلا أن العائق الأبرز في عمليات الإنقاذ كان غياب الأوكسجين، بسبب الحصار الخانق الذي تفرضه قوات النظام على الغوطة منذ عدة أشهر”.

“في النقطة الطبية ضمن أحد أقبية المباني حيث كانت تتم الإسعافات الأولية للمصابين، تحولت الأرض إلى بركة من المياه الملوثة ببقايا المواد الكيميائية، ما تسبب بأذيات جلدية للأطباء والمسعفين الذين ظهرت لديهم أيضاً الحدقة الدبوسية بسبب التماس المباشر مع المصابين، وهو ما زاد من صعوبة التعامل مع الحالات”، بحسب “كربوج”، والذي أشار إلى أن الدفعة الأولى من الفريق الطبي قضوا لحظة وصولهم إلى مكان الهجوم، بينما عاد قسم آخر إلى المستشفى بإصابات خطيرة ومتوسطة.

وعزا الدكتور كربوج ارتفاع أعداد الضحايا من الأطفال خاصة، إلى الاستهداف الممنهج لمنازل المدنيين مباشرة، ما تسبب بمقتل عائلات بأكملها، ولا سيما أن الهجوم وقوته كان مباغتاً وتجاوز التوقعات كلها، علاوة على أن المستشفيات لم تكن مجهزة بالأدوية والمعدات الطبية الكفيلة بمواجهة الأسلحة الكيميائية والغازات السامة، وهو ما تم تداركه لاحقاً، بحسب المصدر ذاته، والذي أكد خلال حديثه مع راديو الكل، تدريب الفرق الطبية للتعامل مع الأذيات التي تتسبب بها الغازات السامة، إلى جانب تأمين مخزون احتياطي من الأدوية اللازمة.

وعن تبعات تعرض الناجين للغازات، أشار الدكتور إلى أن معظمهم ظهر لديه انحلال في الدم بدرجات متفاوتة خلال الأيام الأربعة التالية للمجزرة، وذلك استناداً إلى الوفاة المفاجئة لكثير من الحالات التي تم نقل دم إليها، بينما عانت معظم الحالات من اضطراب في الذاكرة، واضطراب في السلوك على مدار عدة شهور، منوهاً إلى أن كل إنسان شهد مجزرة الكيميائي بات مصاباً برهاب واضطراب نفسي.

ونفى كربوج مسؤولية السارين عن الولادات المشوهة التي تظهر من حين إلى آخر في مناطق الغوطة، كونه غازاً قاتلاً يتسبب بوفاة مباشرة للجنين من دون تشوهات، وعزا أسباب تلك التشوهات إلى عدة عوامل، من بينها سوء تغذية الأم الحامل بسبب ظروف الحصار، والاستعمال العشوائي للأدوية والعقاقير، فضلاً عن التعرض المستمر للبارود وغاز الكلور الذي لا ينفكّ الأسد يستخدمه.

ورداً على سؤال حول أهمية إجراء الفحوصات للأشخاص الذين تعرضوا للغازات السامة وهم اليوم في سن الإنجاب ومقدمين على الزواج، أكد المصدر ذاته ضرورة القيام بها بسبب عشوائية نقل الدم التي شهدتها مناطق الغوطة آنذاك.

وعن إجراءات السلامة حال الاشتباه بالتعرض للغازات السامة، ينصح الدكتور كربوج بوضع قطعة قماش مبللة بالماء على الأنف والفم، والتوجه إلى الطوابق العليا لكن ليس إلى السطح، مشدداً على ضرورة الاهتمام بالأطفال والنساء وأصحاب الأمراض المزمنة مثل السكري والضغط.

ويختم الدكتور كلامه بالقول “بأن تجربة مجزرة الكيميائي التي شهدها قبل أربعة أعوام، تركت أثرها في حياته الشخصية والمهنية، سواء بالحروق التي تسبب بها التماس المباشر لساعات عدة مع المصابين، أو بصعوبة اتخاذ القرار والتعامل مع وضع استثنائي في تلك اللحظات التي تشبه أهوال يوم القيامة، بحسب تعبير “كربوج”.

يمكنم الاستماع إلى التغطية الكاملة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى