في الذكرى الـ 36 من ارتكابها.. “مجزرة حماة” مأساة راسخة في أذهان السوريين

خاص – راديو الكل

يُؤرَخ الثاني من شباط فبراير عام 1982 لأسوأ مجزرة مرت في تاريخ سوريا الحديث كما كان يُعتقد قبل اندلاع ثورة الكرامة في آذار 2011.

في مثل هذا اليوم قبل 36 سنة، طوّقت قوات نظام حافظ الأسد مدينة حماة، وبدأت قصفها جواً وبراً، وبمختلف أنواع الأسلحة، قبل أن تجتاحها وتقتل كل من يصادفها فيها بحجة القضاء على جماعة الإخوان المسلمين في سوريا، التي كانت تُعد من أكبر الجماعات المناوئة للأسد الأب في تلك الحقبة.

وقادت سرايا الدفاع بقيادة رفعت الأسد شقيق حافظ الأسد الحملة العسكرية الدموية التي انطلقت الساعة الثانية صباحاً يوم 2 شباط / فبراير واستمرت مدة 27 يوماً، ووضع تحت قيادته، نحو 12 ألف جندي من مختلف الكتائب، ما بين “سرايا الدفاع واللواء السريع الحركة التابع لسرايا الدفاع، واللواء 47 دبابات، واللواء الميكانيكي21، وفوج الإنزال الجوي 21 (قوات خاصة)”، إضافة إلى عدّة كتائب مكونة من عناصر مختلطة من مختلف أجهزة الأمن والمخابرات وفصائل حزبية مسلحة بقيادة عدنان الأسد.

وتم خلال الحملة العسكرية تطويق المدينة، وتجويع سكانها، وقصف البلدة القديمة فيها جواً وبراً كي يتمكن الجنود من دخول شوارع المدينة الضيقة بدباباتهم، وتدمير معالمها حتى المساجد والكنائس لم تسلم.

وقد سُوّيَ حي الحاضر بالأرض عقب اقتحامه بالدبابات خلال الأيام الأربعة الأولى من القصف.

وبتاريخ 15 شباط / فبراير وبعد عدة أيام من القصف العنيف، أعلن اللواء مصطفى طلاس وزير الدفاع حينها أن انتفاضة حماه قد قُمعت، غير أن المدينة ظلت حينها محاصرة وجرى عزلها عن العالم الخارجي.

وتلا ذلك كله قيام السلطات بحملة على مدار أسبوعين داهمت خلالها المنازل واحداً تلو الآخر تخللها موجة اعتقالات جماعية، مع ورود أنباء حول الفظائع التي ارتكبت بحق سكان المدينة المسالمين، وتعرضهم لعمليات قتل جماعي على أيدي قوات الأمن التي استباحت كل ما في المدينة.

وتحدثت بعض التقارير عن صنوف من الإساءة، التي ارتكبتها تلك القوات، من قتل جماعي وإعدامات ميدانية، وتعذيب للمدنيين واغتصاب للنساء، إلى أن وصل بهم الحد إلى قتل الأطفال أمام أعين ذويهم.

ولا أحد يعرف الحصيلة النهائية لعدد القتلى خلال ذلك الهجوم، حيث وثّقت اللجنة السورية لحقوق الانسان مقتل 40 ألف مدني، أما عدد المعتقلين و المفقودين الذين لم يتم معرفة مصيرهم حتى اليوم فقد بلغ 15000 ألف شخص، و هذه المجزرة كانت سبباً مباشراً في تهجير 100 ألف شخص، وتم تدمير جزء كبير من المدينة خاصة أحياءها القديمة، وإزالة 88 مسجداً، و هدم 3 كنائس و مناطق أثرية و تاريخية.

يتحدث مراسلنا في حماة أحمد المحمد عن الروايات التي سمعها عن مجزرة حماة في الثمانينيات ويقول: إن الكثير من المدنيين قتلوا عبر الإعدامات الميدانية، في أحياء “الطوافرة ، منطقة المشفى الوطني، حارة الجسر، شارع الثامن من آذار، شارع العلمين، حي الحاضر”، إضافة إلى اعتقال عدد كبير من المدنيين، بعضهم تم تصفيتهم أثناء الحراك في القرى الموالية القريبة من مدينة حماة، وأهمها قرية أرزه التي تم تصفية المئات فيها بعد تعذيبهم من قبل الموالين.

وقد روى لراديو الكل أحد الناجين من المجزرة رافضاً ذكر اسمه لأسباب أمنية قصصاً عن أعمال النظام الوحشية وأشكال الرعب التي عاشها، وقال: “كنت حاضراً أثناء ارتكاب مجزرة عام 1982 في حماة، وكنا نرى الجثث المحروقة في الشوارع خارج المنزل، وكنا جائعين جداً لعدم وجود أي طعام حيث كنا نأكل الخبز اليابس”.

وأضاف الشاهد على المجزرة، أن النظام كان يقوم بتدمير الأحياء التي لم يكن باستطاعته الدخول إليها، مثل حي الكيلانية الذي قام بتدميره بشكل كامل.

36 عاماً مرت على المجزرة القبيحة ولايزال أهالي حماة يتذكرون التفاصيل التي رواها الأهالي لأبنائهم عن تلك الأيام البشعة.

كانت مذبحة حماة هي وسيلة الأسد لكم أفواه الثائرين ضد نظام حكمه الذين خرجوا بحراك سلمي تمثل بخروج مظاهرات واعتصامات وإضرابات، وكان طلاب المدارس يخرجون مطالبين بإزاحة الأسد عن سدة الحكم هاتفين “لا دراسة ولا تدريس حتى يسقط الرئيس”.

نجا الأسد الأب بفعلته وحكم سوريا حتى مماته عام 2000، ولكن تاريخ سوريا مع المجازر لم ينته عند حماة، فمدن وبلدات سوريّة أخرى كانت على موعد مع مجازر أقبح وأشنع في ظل حكم الأسد الابن الذي لم يتردد في استخدام الجيش والأجهزة الأمنية وحلفاء الداخل والخارج لارتكاب مئات المجازر على مدى 7 سنوات من الثورة السورية، بل إن الأسد الابن استخدم الغازات السامة والأسلحة الكيميائية لضرب غوطة دمشق الشرقية، رغم تحذير المجتمع الدولي له من استخدامها.

لا يُمكن أن ينسى التاريخ تلك الأيام السوداء التي مرت على سكان المدينة كأنها مشهد من يوم القيامة، ولا يمكن أن يمحو التاريخ تلك البصمة السوداء في تاريخ المجرمين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى