الثامن من آذار.. تحية للمرأة في عيدها

خاص ـ راديو الكل

في العام 1977 قررت الأمم المتحدة يوم 8 من آذار من كل عام، يوماً عالمياً للمرأة، وهو ما كان أقره أول مؤتمر للاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي الذي عقد في باريس عام 1945، وهذا اليوم يتوافق في سوريا مع انقلاب حزب البعث وتسلمه السلطة، أقام خلالها نظاماً استبدادياً لحكم فرد كرس فيه الترهيب أسلوباً للحكم.

ونضال المرأة من أجل نيل حقّها، بوصفها نصف المجتمع، طيلة عقود أثمر أممياً، وخرجت المرأة ولاسيما في الدول المتقدمة، من وظيفة خدمة المنزل وتربية الأولاد إلى انتزاع حقّها في المؤسسات والشركات والإدارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، في حين يلقي مثقفون تابعون لأنظمة عربية باللائمة على يوم أو عيد كهذا، ويصفونه بأنه يهدف إلى تفكيك بنية المجتمعات العربية، فهو في نظرهم أنموذج غربيّ مؤامراتي، ويجادلون في نظرية التبعية الاقتصادية، التي من شأنها أن تقود إلى تبعية اجتماعية تؤدي إلى الخضوع والانصياع لعالم الذكورة.

في سوريا يتوافق الثامن من آذار مع ”ثورة” حزب البعث العربي الاشتراكي، الذي استولى من خلالها على السلطة، إثر انقلاب قادته اللجنة العسكرية التي خرج من بين أعضائها حافظ الأسد، وأقصى عدداً منهم، وانقلب على عدد آخر، ونصّب نفسه زعيماً أبدياً لا ترثه إلا ذريته، وهو ما كان له، بحيث باتت البلاد قبيلةً يقود مصيرها ويتحكم بإمكاناتها، من خلال فرض ثقافة محركها الأساسي الامتثال للأقوى الأعلى، وتبنّي ما تفرضه رؤيته بالطاعة والقبول، ويحكم ذلك كلّه منظومة من الترهيب والتخويف من أيّ خروج منها، مهما كان نوعه عن هذه الأصولية الاجتماعية الهرمية.

الثامن من آذار بعدّه عيداً لـ “ثورة البعث” أزاح خلال حكم الأسد يوم المرأة، بوصفه مفهوماً أممياً رمزياً جوهره المساواة في الحقوق، بأساليب مختلفة، ضمنت بقاء النظام كلّ تلك المدة، في حين جعل مسألة تشكيل المنظمات الشعبية والاتحادات والنقابات المهنية، ومنها “الاتحاد النسائي العام” وتعيين رؤسائها، ليس أكثر من قبائل ارتبطت جميعها بمفهومات سياسية، الهدف منها تطويع المجتمع وحشد مكوناته وتأطيرها بسيطرة أمنية، ومن ثم إفراغ تلك المنظمات من محتواها المهني والاجتماعي، بحيث لا تعبر عن مصالح المنضوين في إطارها، أو تسمح لهم بحرية التعبير والتفكير، بقدر ما تخدم السياسة السلطوية على أساس مفهوم الطاعة والخضوع “للأكبر” أو الأعلى، وهو النظام.

الترهيب الممارس هو السمة التي كرّسها النظام في المجتمع، باستخدام مفردات منها ـ الدين والعار والعيب ـ من خلال المؤسسات الدينية التي نصّب زعماء موالين له وأمنيّين عليها، ومن خلال المنظمات بزعاماتها وهم الأمن والمخبرون، بحيث ضاعفت من القيود وضغطت على المجتمع، ولا سيما على المرأة باتجاه تقنين السلوك واستلاب الحقوق، وإن خرجت قلة من هذا الإطار فقد تعرضت للنبذ الاجتماعي والاعتقال.

عمل النظام في ظل أسلوب حكمه الاستبدادي على فرض قيود على المجتمع بات ممنوعاً على المرأة في ظل ذلك التعبير عن ذاتها أو ممنوع عليها إبداء موقف في قضايا المجتمع، وحتى تجاه مشكلاتها هي، فعقل المؤسسة هو المعني بكل هذه الأشياء، وقد اتخذ أشكالاً وأساليب للمعالجة جديدة، فمن المدرسة تبدأ القيود بالتشكل تصاعدياً، بالتزامن مع مفهوم الأسرة والخضوع للأكبر، ومن مناهج التدريس الأيديولوجية التلقينية القومية والتربية الدينية، التي تعمل على برمجة عقل التلميذة بتعاليم ناظمة لحياتها، مع اتباع سياسة الفصل بين الجنسين المعممة في معظم المناطق بلاد.

خلال الثورة تغيرت طبيعة الأعباء التي تتحملها المرأة السورية، فيما بدت مع ازدياد الأخطار الكبيرة التي تعرضت، ومازالت تتعرض لها، وكأنها تعيد صوغ ذاتها المجتمعية إلى جانب الرجل، باتجاه نحت ثقافة جديدة بحيث يصح القول بأنها تخوض معركة وجود محركها الرئيس تفكيك الأصولية الاجتماعية المتوارثة، وألقت بظلالها على المجتمع السوري طوال المراحل السابقة.

على الرغم من أن الحرب ضاعفت عدة مرات الجرائم التي ترتكب بحق المرأة، مثل قضايا الاتجار أو الزواج القسري، وتزويج القاصرات والاعتداء الجنسي، والهجرة والنزوح والحرمان من حق الأمومة الطبيعي، والرعاية الصحية، والتهجير، فإن المرأة السورية بدأت أولى خطوات التحرر من الخوف، وغيّرت نظرة المجتمع إليها، وخرجت من دائرة الدور التقليدي الذي طالما اضطلعت به زوجةً وأماً وربة منزل، وهي اليوم تصنع المستحيل؛ لتحفظ الأسرة من أي شكل من أشكال الضياع، وما رغبة بعضهن  في الهجرة، أسرةً، من جراء فقدان الأمان، إلا ضمن حالات تعكس التشبث بثقافة جديدة نحتتها التجربة.

على الرغم من واقع التحولات الكبرى المؤلم، فإنه يشكل لحظةً تاريخيةً يسعى فيها المجتمع إلى تفكيك ثقافة تلك المؤسسات، وإعادة صوغها على أسس حقيقية يتطلب مزيداً من التكاتف؛ بغية جني ثمار الثورة في الحرية والكرامة وتفعيل رؤية عصرية تحررية تجاه المرأة، أساسها إنشاء مجتمع مدنيّ بمؤسسات أفاقها الأولى الأسرة بشكلها المتحضر المبتعد عن التعصب والترهيب والتخويف، وإقامة مجتمع سوري جديد.

وما حققته المرأة من إنجازات في مجالات الإغاثة والإعلام والمشاركة في المظاهرات السلمية، وتقديم الإسعافات والأدوية، وتعرضها للاعتقال والقنص، ومواجهتها لأنواع شتى من القمع، شكّل لها خروجاً من حالة كانت أقرب للانغلاق إلى حالة أخرى انتزعت لنفسها من خلالها مكانةً أساسيةً في سوريا الغد، وتمسكت بحقها في المشاركة الفعلية في صنع مستقبل البلاد، على الرغم من أوضاع الحرب المأسوية، وعلى الرغم من جميع أنواع العنف الذي يستهدفها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى