خان شيخون إحدى مجازر نظام الكيميائي المتنقلة.. ذكريات مؤلمة وجرائم من دون عقاب

خاص – راديو الكل

خان شيخون من أوائل المدن السورية التي التحقت بالثورة لإسقاط النظام، وهي تتبع محافظة إدلب في شمال غربيّ سوريا وتعاقبت عليها حضارات عديدة، وهي مأهولة منذ العصر البيزنطي وتكتسي أهميةً عسكريةً لأنها نقطة وصل بين ريف حماة الشمالي وريف إدلب الجنوبي، كما أنها تقع على الطريق الدولي بين حلب ودمشق.

واستهدف النظام المدينة بالقصف بشكل متكرر إلا أن الأكثر دمويةً كان في تشرين الثاني 2016 عندما استخدم القنابل العنقودية والفسفورية، في حين كان العدوان الأكثر وحشيةً عندما قام في صباح يوم 4 أبريل/نيسان 2017 بارتكاب مجزرة مروعة بقصفها بغاز السارين فقتل ما لا يقلّ عن 100 شخص، من بينهم 25 طفلاً، وجرح أكثر من 400.

وسبق لقوات النظام أن استخدمت غاز السارين أو غاز الأعصاب بحق سكان الغوطة الشرقية ومعضمية الشام في الغوطة الغربية يوم 21 أغسطس/آب 2013، ما سبّب مقتل أكثر من 1000 شخص، أغلبهم من النساء والأطفال.

واعترف نظام بشار الأسد لأول مرة بامتلاكه أسلحةً كيميائيةً وبيولوجيةً في يوليو/تموز 2012، عندما قال: إنه يمكن أن يلجأ إلى استخدامها عندما يواجه هجوماً خارجياً، لكنه تراجع في وقت لاحق من العام نفسه ليؤكد أنه لن يستخدم هذه الأسلحة ضد شعبه ولا حتى ضد إسرائيل، وسلّم جزءاً من سلاحه الكيميائي لمنظمة حظر استخدام الأسلحة الكيميائية من خلال صفقة مع الولايات المتحدة رعتها روسيا وضمنت النظام فيها مقابل عدم قصف مواقعه بعد أن هدّدت الولايات المتحدة بمعاقبته.

النظام عاود ارتكاب المجازر باستخدام السلاح الكيميائي ولم تردعه تهديدات المجتمع الدولي، لكن مرةً واحدةً تم فيها معاقبة النظام على استخدامه السلاح الكيميائي، وهي التي جاءت بعد مجزرة خان شيخون، حيث قامت سفينتان أمريكيتان في البحر المتوسط في ليل السادس من نيسان بإطلاق صواريخ كروز من طراز توماهوك على مطار الشعيرات الجوية بوسط سوريا.

ردّ الفعل الأمريكي جاء مستنداً على أدلة قدّمتها منظمة حظر الأسلحة الكيميائية على استخدام غاز السارين في الهجوم على خان شيخون، في حين أكد وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس أنّ النظام لا يزال يحتفظ بأسلحة كيميائية رغم الاتفاق الذي رعته روسيا وسلم بموجبه مخزونه من السلاح الكيميائي.

كما أكدت فرنسا، أن النظام استخدم غاز السارين السام في هجومه على خان شيخون بأوامر من بشار الأسد أو حاشيته المقربة، وذلك بحسب ما خلص إليه تقرير لأجهزة الاستخبارات الفرنسية.

وتحدث وزير الخارجية الفرنسي جان مارك آيرولت أنذاك، عن أن نتائج تحاليل أجهزة الاستخبارات الفرنسية تؤكد أنه لا شكوك إطلاقاً حول مسؤولية النظام بالنظر إلى طريقة تصنيع السارين المستخدم”.

وأوضح آيرولت، أن التقرير الذي أعدّ بالاستناد إلى عيّنات وتحاليل قامت بها الأجهزة الفرنسية، يؤكد “من مصدر موثوق أن عملية تصنيع السارين مطابقة للأسلوب المعتمد في المختبرات السورية، الطريقة تحمل بصمة النظام وهذا يتيح لنا تحديد مسؤوليته في الهجوم”.

شبكة سي إن إن نقلت عن المخابرات الأمريكية تأكيدها أنها رصدت اتصالات بين قوات الأسد وخبراء كيميائيين حول التحضيرات لشن الهجوم الكيميائي بغاز السارين على مدينة خان شيخون في ريف إدلب الجنوبي.

وقال مسؤول أمريكي بارز: إن مسؤولي الجيش والاستخبارات في الولايات المتحدة اعترضوا اتصالات لقوات النظام مع خبراء كيميائيين “حول الإعداد للهجوم بغاز السارين على إدلب”.

وأوضحت الشبكة الإخبارية الأمريكية، أن اعتراض تلك الاتصالات جاء ضمن مراجعة فورية لجميع المعلومات الاستخباراتية بعد ساعات من الهجوم على مدينة خان شيخون لتحديد المسؤول عنه.

ورغم تأكيد مصادر دولية متعددة من بينها الولايات المتحدة ومنظمة الصحة العالمية ومحققون دوليون بأن النظام مازال لديه سلاح كيميائي، فإن بشار الأسد ينفي أن يكون لديه أسلحة كيميائية ويقول: إنه سلّم المخزون من الأسلحة الكيميائية عام 2013 .

وجمعت لجنة أممية تحقق في سوريا أدلةً تكفي لإدانة بشار الأسد بارتكاب جرائم حرب، لكن من دون وجود مدع ولا محكمة بحسب ما أفادت به إحدى أعضاء اللجنة في مقابلات صحفية بعد إعلانها استقالتها من اللجنة بسبب عجز المجتمع الدولي عن وضع حد للكارثة الإنسانية في سوريا.

وقالت المدعية العامة السابقة المتخصصة في جرائم الحرب كارلا ديل بونتي، وعضوة لجنة التحقيق الدولية المعنية بسوريا: إن الأدلة ضد الأسد تكفي لإدانته بارتكاب “جرائم حرب”.

وقالت ديل بونتي: إنه في ظل غياب محكمة ومدع عام دوليين مكلفين بمهمة إجراء محاكمات في قضايا جرائم الحرب في سوريا، فسيبقى إحقاق العدالة في هذه المسألة بعيد المنال، وهذا ما يجعل الوضع محبطاً لهذه الدرجة. تم القيام بالعمل التحضيري ولكن مع ذلك، لا يوجد مدع ولا محكمة، إنها مأساة.

وتولت اللجنة مهمة التحقيق في الانتهاكات المتعلقة بحقوق الإنسان وجرائم الحرب في سوريا بعد مدة وجيزة من اندلاع الثورة في آذار من العام 2011، وقدّمت تقارير دورية عن الانتهاكات لكنّ مناشداتها بالتزام القانون الدولي لم تلق اهتماماً في معظم الأحيان.

ورغم تأكيد عدة مصادر دولية، أن النظام استخدم الكيميائي في الهجوم، ورغم الصور التي نشرت على وسائل الإعلام تظهر مصابين بالكيميائي من بينها صور الأطفال، قال النظام: إن موضوع الهجوم على خان شيخون ملفق، وإنه لم تصدر “أوامر بأي هجوم”. كما أنه شكّك في صور الفيديو، ووصفها بأنها “الجزء الأول من المسرحية” لتأتي بعدها على حد تعبيره “الحملة الدعائية على مواقع التواصل الاجتماعي” ثم بعدها “الحملة العسكرية”.

يبنى النظام على نكرانه مواقف لا يصدقها سوى الإيرانيين والروس بأنه ورغم قلقه من إثبات التهمة عليه بالأدلة القاطعة فإنه يتهم الدول الغربية باختلاق الذرائع للهجوم على مطار الشعيرات بعد أيام من حادث خان شيخون، ويقول: إنه لن يسمح إلا بتحقيق “مستقل”، ليضمن أنه لن يستغل “لأغراض سياسية”.

النظام لطالما كان ضالعاً في ارتكاب الجرائم ونفيها وهو مستمرّ بالكذب والنفاق كما القتل والتدمير وتشريد السوريين، وهو ما درج عليه منذ بداية الثورة وكان ينفي بشكل مستمر خروج أيّ مظاهرات احتجاجية رغم الصور التي كانت تمتلئ بها القنوات التلفزيونية، كما أنه لا يعترف باستخدام الطائرات الحربية في قصف المدنيين أو استخدام البراميل المتفجرة في قصفه للمناطق المحررة.

أراد النظام من خلال مجزرة خان شيخون أن يقول: إن العالم يتراجع أمام سياساته، وإن الشعب السوري سيتراجع أمامه هو الآخر، وإن على دول العالم أن تستجيب لخياراته وتقبل بما يضغط عليها به.

وبالحديث عن الذكرى الأولى لمجزرة كيميائي خان شيخون أجرى راديو الكل حوار مع الكاتب والمحلل السياسي وائل الخالدي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى