5 أعوام على ارتكاب مجزرة الكيميائي في الغوطة الشرقية.. المجازر مستمرة ولا ادعاء ولا محكمة

ملف الكيميائي في سوريا تدحرج من قرار اتخذه مجلس الأمن يفرض نزع السلاح الكيميائي بعد ارتكاب النظام مجزرة الغوطة الشرقية في 21 من آب من العام 2013، إلى أدراج مؤتمر عقد في باريس قبل نحو شهرين تحت عنوان “محاربة الإفلات من العقاب بالنسبة لمستخدمي السلاح الكيميائي”، وبقيت القضية الكبرى كما وصفتها عضو لجنة التحقيق الأممية كارلا ديل بونتي هي عدم تمكن مجلس الأمن الدوليّ من اتخاذ قرار بتحويل جرائم النظام إلى محكمة الجنايات الدولية بسبب الفيتو الروسي، فلا ادعاء ولا محكمة بخصوص جرائم الحرب في سوريا.

وشكلت مجزرة الغوطة الشرقية التي ارتكبها النظام بحق المدنيين من نساء وأطفال باستخدام الغازات السامة، وراح ضحيتها نحو 1400 مدني، دليلاً مباشراً على تعمد قتله المدنيين العزل، في حين أثبت تسليمه القسم الأكبر من ترسانته من السلاح الكيميائي إلى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية إثر تهديد الولايات المتحدة باستخدام القوة ضدّ قواته، اعترافاً بامتلاكه ترسانةً ضخمةً من هذا السلاح.

وما حدث في غوطة دمشق الشرقية ومعضمية الشام بالغوطة الغربية، والذي يعدّ مجزرةً غير مسبوقة قامت بها قوات النظام باستخدام غاز السارين هو الأبرز والأكثر حضوراً في ذاكرة السوريين، حيث استيقظ سكان الغوطتين في 21 من آب عام 2013 على مشاهد ضحايا قصف النظام بالغازات السامة أحياءً سكنيةً مستهدفاً بكل وضوح المدنيين.

تقارير أجهزة مخابرات عدد من الدول الغربية أكدت مسؤولية النظام عن الهجوم بغاز السارين السامّ على المدنيين في الغوطة، ومنها تقرير الاستخبارات الفرنسية، وكذلك الألمانية التي رجّحت استعمال قوات النظام السلاح الكيميائي.

منظمة هيومن رايتس ووتش أكدت بعد أكثر من أسبوعين من الهجوم، توفّرها على أدلة توضّح وقوف قوات النظام وراء مجزرة الغوطة.

ففي الحادي والعشرين من أغسطس/آب عام 2013 سقط مئات القتلى في هجوم بغاز السارين في منطقة الغوطة على مشارف العاصمة السورية. ويسبب هذا الغاز الذي لا لون له ولا رائحة في اختناق من يستنشقه ولو بكميات قليلة خلال دقائق.

حكومات غربية أكدت أن قوات النظام هي المسؤولة عن هذا الهجوم، بينما نفى النظام مراراً استخدام أسلحة كيميائية .

الأمين العام للأمم المتحدة السابق بان كي مون شكّل بعثة الأمم المتحدة للتحقيق في استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا، برئاسة العالم السويدي أوكا سيلستروم، وضمّت خبراء من منظمة الصحة العالمية ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية. وكانت مهمّتها بحث احتمال استخدام الأسلحة الكيميائية بعد تقارير عن هجوم في بلدة خان العسل بشماليّ سوريا. وتؤكد البعثة استخدام السارين في الهجوم الذي وقع في 21 من أغسطس/آب بغوطتي دمشق وراح ضحيته المئات.

وفرضت الولايات المتحدة على النظام تسليم مخزونه من السلاح الكيميائي في العام 2013 بعد ارتكاب مجزرة الغوطة الشرقية بضمانة روسية، إلا انه احتفظ بقسم من هذا السلاح استخدمه مرات عديدة في عدة مناطق من أبرزها مدينتا خان شيخون ودوما قوبلت برد فعل عسكري من جانب الولايات المتحدة ودول غربية.

 

وفي إطار ذلك الاتفاق انضمّ النظام إلى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية التي تتخذ من لاهاي في هولندا مقرّاً لها، ووعد بفتح الحدود لدخول المفتشين الدّوليين والكشف عن برنامجه كاملاً بعد أن كان ينفي من قبل أنّ لديه أسلحةً كيميائية.

وأصدر مجلس الأمن الدولي قراراً بالإجماع تحت الرقم 2118 يدين استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا، ويطالب النظام بنزع وتدمير تلك الأسلحة، ويشير إلى أنه في حال الإخفاق في الالتزام ببنود التخلص من الأسلحة الكيميائية، فإن المجلس سيتوجه لاتخاذ إجراءات بموجب البند 7.

 

وأعلن النظام أن لديه 1300 طنّ من الأسلحة الكيميائية أو المخزونات الكيميائية الصناعية، وهي تقريباً الكمية التي قدّرها خبراء خارجيون.

وفي عملية قادتها منظمة حظر الأسلحة الكيميائية وبلغت تكاليفها مئات الملايين من الدولارات تمّ شحن تلك الكميات إلى الخارج لتدميرها بمساعدة ثلاثين دولةً على رأسها الولايات المتحدة.

لم ينعكس تسليم النظام سلاحه الكيميائيّ إيجابيّاً على السوريين، بل عمّق أثر الكارثة التي ألحقها النظام بهم، بينما استفادت من ذلك قوًى إقليمية ودولية بأن أصبحت جزءاً من منظومة إقليمية ودولية تعمل على تعويمه مقابل تحقيق مصالح لها في البلاد.

في العام 2014 بدأ فريق تقويم تابع لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية العمل على سد الفجوات ونقاط الالتباس في الإعلان الذي قدّمه النظام للمنظمة، ويفترض أنه يشمل جميع جوانب برنامجه للأسلحة الكيميائية.

وقال مصدر مشارك في مراقبة أسلحة سوريا الكيميائية لمصلحة منظمة حظر الأسلحة الكيميائية: إن النظام شرع في استخدام الكلور “سلاح ترويع” حتى تكون له اليد العليا في ساحة المعركة عندما كانت إحدى قواعده في كفرزيتا مهدّدةً بالاجتياح في 2014. وأضاف: “كانت المعارضة تحيط بالقاعدة، فأراد النظام إخلاء المنطقة، ولهذا بدأ باستخدام الكلور”.

في العام 2015 أسست آلية التحقيق المشتركة التابعة للأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية لتحديد الأفراد أو الكيانات التي تقف وراء هجمات الأسلحة الكيميائية.

وبحلول يوليو/تموز 2016، وبعد زيارة سوريا 18 مرةً لتفتيش مواقع ولقاء مسؤولين، قال الفريق: “إنه لا يمكنه التحقق كاملاً من أن النظام قدم إعلاناً يمكن عدّه دقيقاً ومستوفى”.

وأسست منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بعثةً لتقصي الحقائق ردّاً على استمرار شنّ هجمات بأسلحة كيميائية في سوريا بهدف “التوصل إلى حقائق مزاعم استخدام موادّ كيميائية سامة، وأفادت أنباء بأنه غاز الكلور، لأغراض عدائية في سوريا”. وخلصت بعثة تقصي الحقائق إلى أن استخدام الكلور كان ممنهجاً وواسع النطاق، ولم تكن البعثة مكلّفةً بمهمة إلقاء اللوم.

في 2016، خلصت آلية التحقيق المشتركة، إلى أن قوات النظام استخدمت غاز الكلور سلاحاً كيميائيّاً في 3 حالات، وأن متشددي تنظيم داعش استخدموا غاز الخردل.

وفي 2016، عندما خلص تحقيق للأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، إلى أن قوات النظام مسؤولة عن ثلاث هجمات بغاز الكلور؛ سعت الولايات المتحدة إلى فرض عقوبات على المسؤولين عبر المجلس التنفيذي، لكنها سحبت في ما بعد المقترح الذي لم يكشف عن تفاصيله.

وأدانت وثيقة وضعت إسبانيا مسوّدتها الهجمات لكنها حذفت أيّ إشارة إلى عقوبات وأيدتها أغلبية تشمل ألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا، ولكنّ روسيا والصين وإيران والسودان عارضتها.

في 2017 تخلص بعثة تقصي الحقائق التابعة لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، إلى أنّ غاز السارين استخدم في هجوم 4 من أبريل/ نيسان على منطقة خان شيخون بشماليّ سوريا وذلك في أعنف استخدام لغاز الأعصاب منذ 3 سنوات. ولم تلق البعثة باللوم على طرف بعينه.

وخلال السنوات الخمس الماضية، ورغم تسليمه مخزونه من السلاح الكيميائي، فقد ارتكب النظام عشرات الجرائم ضد المدنيين باستخدام السلاح الكيميائي كان من أكثرها قسوةً استهداف المدنيين في مدينة دوما في السابع من نيسان الماضي، حيث قتل أكثر من 150 مدنياً، في حين أصيب أكثر من ألف آخرين، من بينهم نساء وأطفال، بحالات اختناق، وكذلك قصفه مدينة خان شيخون في إدلب، ما أسفر عن مقتل قرابة 100 شخص وأضرّ بنحو 200 آخرين.

وأمر الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب بضربة صاروخية لمطار الشعيرات رداً على مجزة خان شيخون، ووصف بشار الأسد بأنه حيوان يقتل شعبه.

كما وجّهت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ضربات صاروخيةً على مواقع للنظام، باستهدافها بنحو 100 صاروخ أطلقت من سفن وطائرات، في حين أكدت وزارة الدفاع الروسية، أنّ المواقع المستهدفة بالهجمات الغربية كانت مدمّرةً أصلاً، بينما قالت وسائل إعلام النظام: إن الصواريخ لم تحقق أهدافها.

وأقرّ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أن اتصالات جرت بين قادة عسكريين في كل من روسيا والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا قبل شنّ الضربات على مواقع للنظام مؤخراً.

كما أكدت سفيرة فرنسا لدى روسيا سيلفي بيرمان، أن اتصالات تمت بالعسكريين الروس قبل توجيه الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا الضربة الأخيرة ضد مواقع في سوريا لتجنيب مواقع النظام والمواقع الروسية أية أضرار.

ومستفيداً من الدعم الروسي والتغيرات الإقليمية والدولية فيما يتعلق بالقضية السورية التي لم تعد ترى في رحيله شرطاً لانتقال سياسيّ في سوريا؛ سعى النظام إلى القفز إلى الأمام، حيث كانت آخر مواقفه بهذا الخصوص اتهامات وجّهها نائب وزير خارجيته فيصل مقداد للولايات المتحدة وبريطانيا وتركيا بتزويد المعارضة بالسلاح الكيميائي.

 

 

الفيتو الروسي حال دون تمديد عمل آلية التحقيق المشتركة التابعة للأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية لتحديد الأفراد أو الكيانات التي تقف وراء هجمات الأسلحة الكيميائية، وانتهى بذلك عمل التحقيق الأممي بجرائم النظام، في حين استقالت عضو لجنة التحقيق الأممية كارلا ديل بونتي بسبب فشل مجلس الأمن الدوليّ من اتخاذ قرار بتحويل جرائم النظام إلى محكمة الجنايات الدولية، بسبب الفيتو الروسي.

فشل مجلس الأمن تلقّفه (مؤتمر الشراكة الدولية ضد الإفلات من العقاب بسبب استخدام الأسلحة الكيميائية) الذي عقد في باريس بمشاركة 32 دولة، وانتهى إلى قرارات غير ملزمة ولا تؤثر في استمرار ارتكاب النظام المجازر، حيث اكتفى بالدعوة إلى تشكيل آليات لتحديد ومعاقبة المسؤولين عن الهجمات الكيميائية في سوريا.

المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان ومقرّه جنيف، أكد في بيان أنّ “جرائم الحرب المتكررة في سوريا على مدار الأعوام الأخيرة اختبرت مدى فعالية مجلس الأمن الدولي، لتكشف عن أنها مجرّد أداة ومسرح للمواقف السياسية”.

وأضاف المرصد تعليقاً على تصريحات عضو لجنة التحقيق الأممية كارلا ديل بونتي التي قدمت استقالتها من اللجنة، أن تلك الاستقالة هي بمنزلة “تأكيد عجز منظومة صنع القرار الدولي في إيقاف سيل انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى