رايتس ووتش” تتهم نظام الأسد بالفساد والتسبب بإصابة الكوادر الطبية بكورونا

منظمة "هيومن رايتس ووتش": يبدو أنّ التمييز بحسب المكانة والقدرات المادية يؤثر على الحصول على المعدّات الشخصية الوقائية والرعاية الطبية الأساسية

اتهمت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية، حكومة نظام الأسد بالتخلي عن عمال القطاع الطبي في مواجهة فيروس كورونا وشككت بأعداد الإصابات التي يعلن عنها النظام.

وقالت “هيومن رايتس ووتش” في تقرير أصدرته، أمس الأربعاء، 2 من أيلول، إنّ “السلطات السورية لا تحمي عمّال القطاع الصحي في الصفوف الأمامية بوجه فيروس كورونا في المناطق تحت سيطرتها”.

وأجرت “هيومن رايتس ووتش”، مقابلات مع ثلاثة أطبّاء، وممرّضة، وموظفَيْ إغاثة، وخبيرَيْن، وراجعت منشورات الناس على وسائل التواصل الاجتماعي أو صفحات تُعتبر مصادر موثوقة، وجمعت تقارير جهات ثالثة موثوقة لتقييم التباينات في تقارير حكومة النظام عن استجابتها للوباء.

ضحايا الكوادر الطبية

وقال أطبّاء، وعمّال إغاثة، ومدنيون، بمن فيهم أولئك في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، لـ هيومن رايتس ووتش، إنّ “البلاد مُنهَكة، والمستشفيات تجاوزت قدرتها الاستيعابية، بينما يواجه عمّال القطاع الصحي نقصاً خطيراً في المعدّات الشخصية الوقائية”.

وأضافوا، “أنّ عدداً كبيراً من زملائهم وأقاربهم يموتون بعد أن تظهر عليهم أعراض مرض “كوفيد-19″ الناتج عن الفيروس”.

وتحققت المنظمة من وفاة 33 طبيباً وردت أسماؤهم في لائحة على منصات التواصل الاجتماعي، تضمّ 61 عاملاً في المجال الصحي توفّوا منذ ظهور فيروس كورونا في سوريا للمرّة الأولى.

وقال أطبّاء إنّ “الوفيات التي تُنعى على صفحات الوفيات الرسمية للحكومة تنتمي بشكل أساسي إلى النخبة، مثل مديري المستشفيات، أو أساتذة طب سابقين”، ورجحوا أن تكون أعداد الاصابات والوفيات في كوادر القطاع الطبي أعلى بكثير ولاسيما خارج المدن.

وقالت ممرضة في منطقة ريفية: “كلّ خميس، تسلّم السلطات 50 كمامة طبية للاستعمال مرة واحدة، ومن المفترض أن تكفينا لأسبوع. أوزّعها إلى حصص كي أستعمل كمامة واحدة خلال المناوبة، بينما ينبغي أن أبدّل الكمامة مع كلّ مريض”.

وأفاد من تمّت مقابلتهم أنّ النقص في المعدّات الوقائية المناسبة والإمكانية المحدودة لاستخدام أسطوانات الأوكسجين يساهمان على الأرجح في وفاة عمّال القطاع الصحي والسكّان بشكل عام في سوريا.

وقالت سارة الكيالي، باحثة سوريا في هيومن رايتس ووتش: “من المذهل أنّه بينما تتراكم نعوات الأطبّاء وأعضاء الطاقم التمريضي المتصدّين لفيروس كورونا، تتناقض الأرقام الرسمية مع الواقع على الأرض، مضيفة أن حكومة النظام سبق أن ارتكبت جرائم ضدّ البشرية في حقّ شعبها، وعدم اكتراثها لصحة عمّال القطاع الصحي في ظلّ وباء عالمي ليس مفاجئاً”.

محسوبيات

وقالت المنظمة “يبدو أيضاً أنّ التمييز بحسب المكانة والقدرات المادية يؤثر على الحصول على المعدّات الشخصية الوقائية والرعاية الطبية الأساسية”.

ورغم أن منظمة الصحة العالمية أمّنت لحكومة النظام حتى 21 آب، 4.4 مليون عنصراً من المعدّات الشخصية الوقائية، بما فيها كمامات طبية وتنفسية، وقفازات، وألبسة واقية، وأغطية للأحذية، ومعقّمات لليدين، لكنّ الأطبّاء وأعضاء الطاقم التمريضي العاملين في مناطق النظام قالوا إنّ هناك نقصاً حادّاً في الإمدادات، لا سيما في الأرياف.

فساد

ولم يقتصر الأمر على المحسوبيات، إذ أكّد طبيب يترأس برنامجاً لاستيراد معدّات وقائية وأسطوانات أوكسجين أنّ البرنامج يجمع الأموال ويرسل قوارير الأوكسجين، لكن ليس عبر “الحكومة السورية”، “لأنّه لا يمكن الوثوق بها”.

وقال عاملان إغاثيان إنّه، في بعض الحالات، شُحنت الإمدادات إلى مناطق خاضعة للنظام، لكنّ هذه الإمدادات لم تخرج من مستودعات وزارة الصحة.

وفي 8 أيار، قال عضو في “جمعية الصداقة الفنلندية-السورية”، إنّ “شحنة من الإمدادات الطبية إلى محافظة السويداء في جنوب غرب سوريا الخاضعة لسيطرة الحكومة عالقة منذ 14 شهراً وما تزال في مستودعات الوزارة”.

كما سبق أن وثّقت “هيومن رايتس ووتش” عرقلة النظام للمساعدات الإنسانية، بما في ذلك من خلال تقييد الوصول إليها، والتوزيع التمييزي، والإصرار على شراكات إشكالية.

أرقام مشكوك بصحتها

وأوضحت المنظمة أن حكومة النظام أبلغت حتى 31 من آب عن 2,765 حالة مثبتة و112 وفاة لكن الأدلّة المتوفرة تشير إلى أنّ الأعداد في مختلف أنحاء البلاد قد تكون أعلى بكثير.

وقدّر مصدر مستقلّ، وهو موقع Syria-in-Context، وجود 85 ألف حالة إصابة بفيروس كورونا على الأقلّ في دمشق فقط، وارتكز الموقع في استنتاجاته على صفحات الوفيات المنشورة على الإنترنت من 29 تموز حتى 1 آب، وصور الأقمار الصناعية للمقابر، ومقابلات مع أطبّاء، واستكمال البيانات بالاستقراء بناء على نموذج أنشأته جامعة “إمبريال كولاج لندن” حول انتقال فيروس كورونا.

وقال سكّان إنّ جيرانهم وأقاربهم كانوا يمرضون أو يموتون بعد أن تظهر عليهم أعراض متطابقة لكوفيد-19، منها حرارة مرتفعة، وضيق تنفّسي حادّ.

وأضافوا أنّ أقاربهم الذين حاولوا الدخول إلى مستشفى أو عيادة رُفضوا بسبب عدم القدرة على استيعابهم.

وقال طبيبٌ إنّ “الفحوصات، والمعدات الوقائية، وأقنعة الأوكسيجين متوفرة لكنّ كم تملك من المال يحدّد ما إذا كنت ستخضع للفحص وستحصل على الأدوية التي تحتاج إليها”.

وأشار عمّال القطاع الصحي إلى إنّ الفحوصات، والأوكسجين، والرعاية الطبية الأساسية متوفرة فقط للقادرين على تحمّل كلفتها، ما ينتهك الحقّ الأساسي في وصول متساوٍ ومعقول التكلفة إلى الرعاية الصحية.

وقال طبيب وممرّضة إنّ أسطوانة الأوكسجين تكلّف 700 ألف ليرة سورية على الأقلّ، بينما تبلغ كلفة أجهزة التنفس الاصطناعي 12 ألف دولار تقريباً، وهي تكاليف خارج المتناول في بلد يعيش فيه 83 بالمئة من السكّان تحت خطّ الفقر بحسب المنظمة.

الصحة العالمية تخلي مسؤوليتها

ورداً على تقرير “هيومن رايتس ووتش”، قالت منظمة الصحة العالمية، في 1 أيلول، إنها “توفر مجموعات اختبار ومعدات واقية وإمدادات ضرورية لعلاج مرضى كوفيد-19″، وأنه في تموز 2020، أوصت المنظمة حكومة النظام بزيادة الفحوصات وتوسيع شبكات المختبرات، وتعزيز الوقاية من العدوى، بما في ذلك زيادة توافر معدات الوقاية الشخصية للعاملين الصحيين؛ وتعزيز قدرة المستشفيات والوعي المجتمعي.

وطالبت “هيومن رايتس ووتش” حكومة النظام بأن تصرّح علناً بالتزامها بزيادة قدرات إجراء الفحوصات في مختلف أنحاء البلاد، بما في ذلك المناطق خارج سيطرتها وفي الأرياف، وأن تتخّذ خطوات ملموسة لتسهيل تطوير مراكز إجراء الفحوصات تكون متاحة للاستخدام بشكل متساوٍ.

ودعت “هيومن رايتس ووتش” منظمة الصحة العالمية، أن تعلن إصرارها على توسيع قدرات الاختبار والإبلاغ الشفاف عن الإصابة بفيروس كورونا والوفيات ذات الصلة، وتوضيح الأسباب المحددة لعدم الإبلاغ عن الأرقام بدقة، إذا لم تتصرف حكومة النظام بحزم.

وقالت إنه ينبغي على منظمة الصحة العالمية أن تصر على تسليم المساعدات من خلال منظمات مستقلّة في ضوء التاريخ الطويل لحكومة النظام في تغيير وجهة المساعدات، بما فيها الإمدادات الطبية.

وطالبت الجهات المانحة بالضغط على الأمم المتحدة والمجموعات الدولية العاملة في دمشق بشكل فاعل للتفاوض جماعياً مع حكومة النظام على السماح بإجراءات غير مركزية للفحوصات وتوزيع منصف لمعدّات الوقاية.

وحتى مساء الأربعاء، أعلنت وزارة الصحة في حكومة النظام، تسجيل 2898 إصابة، توفي منها 120 حالة.

راديو الكل

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى