هل ينجح النظام في فرض معادلة مابعد حماة 1982 على سوريا الآن؟

محللون: الظروف المحلية والدولية مختلفة عن السابق والنظام سيفشل في هزيمة السوريين

في مثل هذه الأيام من العام 1982 هدأت أصوات مدفعية ودبابات النظام بعد أن دمرت نحو ثلثي المباني على رؤوس ساكنيها في مدينة حماة، في أكبر حرب شنها النظام على الأهالي منذ وصوله إلى الحكم حتى اندلاع الثورة السورية في العام 2011.
وبين حماة 1982 سوريا 2011 معادلة طبقها النظام وفرضها لنحو ثلاثين عاما وهي هزيمة المجتمع السوري تحت مسمى انتصاره على الإخوان المسلمين، حيث يحاول الآن تطبيق ذات المعادلة باختزال الثورة بإرهابيين، ليوسع المعادلة بهزيمة الوطن بأكمله تحت مسمى انتصاره على الإرهاب.
ولكن ثمة فرق كبير بين الحدثين، والتاريخ لا يعيد نفسه فما جرى في حماة من قتل للمدنيين استمر طيلة شهر شباط في مذبحة راح ضحيتها نحو أربعين ألفا من الأهالي، لم يكن موجها ضد بضع عشرات من تنظيم واجه النظام، بقدر ما كان رسالة دموية لكل من يفكر من السوريين بالوقوف في وجهه، وعلى الرغم من ذلك فقد قام السوريون ليس في حماة فقط هذه المرة بل في جميع المدن والبلدات لإسقاط نظام الاستبداد والفساد، وأيضا النظام نفسه هو في حالة الدفاع والهجوم معا بعد أن كان آيلا للسقوط لولا روسيا ولإيران، وليس في حالة القتل فقط لإرهاب السوريين كما كان في حماة.
وبالنسبة لمجزرة حماة فقد روى ناجون مشاهداتهم في المدينة حين بدأ النظام اقتحامها بكثير من الألم مستحضرين صورة تلك الأيام في ذاكرتهم التي لم تغب عنها تلك الوقائع ومن بينهم عزام كشكش أحد أبناء المدينة الذي قال: قصف مدفعي وبالدبابات على المباني، والقتلى في الشوارع، ومن بينهم شقيقه و17 من أفراد عائلته، مضيفا أن قوات النظام لم تكتف بالقتل بل شرعت باغتصاب النساء.
ومن جانبه يقول جاسم أبو حسين وهو من قرية الخوين في ريف إدلب إنه وصل إلى حماة فوجدها غير حماة التي كان يعرفها، وأحياء الحاضر والكيلاني وغيرها تم تسويتها بالأرض والجثث تملأ الشوارع وتنهشها الكلاب الشاردة.
وقبل المذبحة بنحو عامين أصدر حافظ الأسد المرسوم 49 القاضي بإعدام كل من ينتسب لجماعة الإخوان المسلمين بعد أن نفذ مجزرة سجن تدمر حين اقتحمت سرايا الدفاع السجن وأطلقت النار على السجناء وقتلت المئات منهم، وبالتزامن نفذ النظام مذابح مماثلة في حلب وادلب ومدن أخرى انتفضت ضد النظام.
ومافعله النظام في حماة باستخدام آلته الحربية فعله في باقي المدن السورية بشكل أقل دموية؛ لكنه استمر بنهج مبرمج باستخدام الترهيب والاعتقال والتجويع وبلغ ذروته في العام 2011؛ لينتفض السوريون ضد ظلم مقيم، وتستعيد حماة تاريخها، في حين واصل النظام نفس منهجه بالحل العسكري، وأصبحت سوريا كلها حماة مستباحة معذبة مقتولة، ولكن هل يعيد التاريخ نفسه وتبقى البلاد تعيش لعشرات السنين في ظل تهمة الإرهاب التي تفرضها على المجتمع السوري عصابة إرهابية حاكمة؟
عن هذا السؤال يجيب السياسي السوري محمود عاشور بقوله إن النظام الذي اختزل انتفاضة السوريين في العام 1982 بالإخوان المسلمين، وأعلن انتصاره على المجتمع تحت اسم هزيمة الإخوان سيفشل الآن في إعلان هزيمة سوريا الوطن تحت اسم هزيمة إرهابيين اختزل الثورة بهم.
وقال عاشور إن الوضع الآن مختلف عن الثمانينات من حيث أدوات لتوثيق والإعلام الموجودة الآن، مشيرا إلى أن النظام لم يواجه الإخوان في الثمانينات فقط، بل كان هناك حركة سلمية كبيرة في دمشق وحلب وغيرها قامت بها نخبة أبناء البلد من نقابات المحامين والمهندسين وغيرهم، إلا أن النظام اتهم الجميع بأنهم من الإخوان المسلمين، وأصدر القانون 49 الذي يحكم بالإعدام على كل من ينتمي إى الإخوان، لافتا إلى أن النظام قتل في الثمانينات أكثر من مئة الف سوري، وتم تهجير الآلاف من العقول من البلاد.
وقال الخبير السياسي والقانوني المحامي فهد القاضي إن الحراك الثوري في الثمانينات كان مقتصرا على حماة وبعض المناطق، أما الآن فالأمر مختلف إذ إن جميع السوريين وقفوا ضد النظام وعانوا من ظلمه.
وأضاف القاضي أنه من الصعب أن يبقى النظام في الحكم في المستقبل؛ لأنه يعيش على دعم روسيا وإيران، وهو خارج عن المنظومة الدولية نظرا لطبيعته الإجرامية.

قتل للمدنيين بآلة عسكرية هي الاستثناء بسطوتها في مواجهة الأهالي، وهي القاعدة التي جرى على أساسها تحديث كل ما هو عسكري على جسد مجتمع مدني ظل نازفا لثلاثة عقود من الرعب، وجراح في وجدان بلد انهار بنيانه القيمي والمجتمعي تحت جنازير تلك الآلة العسكرية الرهيبة التي فتحت أبواب أخرى للخروج منها لمواجهة السوريين من جديد؛ لتصبح سوريا بعد العام 2011 كلها حماة ولكن من الصعب أن ينجح النظام في تطبيق معادلة حماة على سوريا الآن، فلا رصيدا شعبيا له بعد الجرائم التي ارتكبها، وأيضا لا يزال يعيش على دعم روسيا وإيران، إلا أن الأمر مرهون بصمود السوريين وموقف المجتمع الدولي أكثر.

راديو الكل ـ تقرير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى