انتخابات الأسد.. كورونا “خارج الحسابات” ومنافسون “كومبارس” في حيّز “غير مرئي”

ملأ النظام بشكل "هيستيري" الشوارع والساحات بصور بشار الأسد للتعويض عن "شرعيته المفقودة"

خلال الأيام الماضية امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بصور وتسجيلات مصوّرة، للتجمعات التي أجراها نظام الأسد ضمن حملته في “مسرحية الانتخابات”، ولاقت تلك التجمعات سخرية واسعة من قبل متفاعلين سوريين.

وتحدّثت مواقع إخبارية محلية عن إجبار نظام الأسد وأفرعه الأمنية والحزبية الموظفين والطلاب لحضور تلك التجمُّعات والمسيرات المؤيدة، عبر التهديد والوعيد لمن يرفضون المشاركة.

وحشد الأسد لحملته الانتخابية الحالية جميع الفعاليات والمرافق، في ظل مقاطعة دولية لتلك “المسرحية”، التي أراد منها بشار تعويض شيء من “الشرعية” المفقودة.

“هيستيريا” الصور

بدأ الأمر بإطلاق اسم “الأمل بالعمل” على حملته، حيث صوّر بشار نفسه “منقذاً” لسوريا من الدمار الذي رسمته آلته العسكرية في كافة مدن سوريا الثائرة ضده منذ العام 2011، ثم نشر صور حديثة “معدّلة” تكنولوجيا، يبدو فيها أكثر حيوية من صورته في الواقع.

واللافت أن نظام الأسد ملأ الشوارع بشكل “هيستيري” بصور بشار الأسد على نحو غير مسبوق قبل الثورة وبعدها، في عدة رسائل أراد أن يوصلها بطريقة مباشرة لمعارضيه أولاً، وللدول التي نزعت عنه شرعية تلك الانتخابات ثانياً.

أراد نظام الأسد من خلال نشر هذا العدد المبالغ فيه من الصور، أن يرسّخ مفهوم “الانتصار” الذي لم يتوقف عن الترويج له منذ الأيام الأولى للثورة بالعبارة المشهورة “الأزمة انتهت”.

وخلف مشاهد تلك الصور لا يتحدث نظام الأسد عن أنه يسيطر اسمياً فقط على أقل من ثلثي البلاد، بما فيها منطقة “البادية” الخالية إلا من مراكز ونقاط للمليشيات الإيرانية والروسية متعددة الجنسيات، وخلايا تنظيم داعش، إضافة إلى فقدانه السيطرة على غالبية المعابر الحدودية الحيوية، ما يفقده أهم عنصر من مقومات “السيادة الوطنية”.

صور الأسد لا تروي أن “بشار” لم يعد سوى واجهة فقط لعدة أنظمة ومليشيات باتت هي المتحكّم الرئيسي بصنع القرار وبإدارة شؤون غالبية المناطق من شرق البلاد إلى غربها وجنوبها، كما لا تتحدث تلك الصور عن أزمات اقتصادية ومعيشية تلاحق السوريين في مناطق سيطرته في تأمين أبسط مستلزمات المعيشة،

كورونا “خارج الحسابات”

في نيسان الماضي، أصدر نظام الأسد عدة قرارات لمواجهة التفشي الكبير لفيروس كورونا في مناطق سيطرته، بينها إغلاق المدارس والجامعات، وتحدثت سلطاته الصحية عن امتلاء مشافي دمشق بمرضى الوباء بنسبة مئة بالمئة، وحذرت من “كارثة” في ظل البنية الصحية المتهالكة العاجزة عن مواجهة الفيروس.

بعد شهر من الزمن فقط، وفي ظل “الحملة الانتخابية” للأسد، تصبح كورونا “خارج الحسابات” تماماً، حيث يظهر المئات من مؤيّديه في تجمّعات الرقص والدبكة والحفلات الترويجية والمسيرات “الإجبارية”، دون أي تباعد اجتماعي، وبلا أقنعة طبية.

هذه المشاهد ترسّخ فكرة استهتار واستهانة نظام الأسد بمواجهة الوباء منذ انتشاره في مناطقه في آذار العام الماضي، وسط تكتم إعلامي ممنهج حول أعداد الإصابات والوفيات بمناطق سيطرته، والتي أكد مسؤولون صحيون في حكومته أنها تفوق الأعداد المعلنة بكثير.

منافسون “كومبارس” في حيّز غير مرئي

أجرى نظام الأسد في العام 2014 أول انتخابات “تعدّدية” وفقاً للدستور “المعدَّل شكلياً” عام 2012، وفاز حينها بنسبة 88.7%، أمام مرشحين اثنين لم يكونا حينها سوى “كومبارس” لإكمال مشهد “العرس الديمقراطي” و”الاستحقاق الدستوري”.

وفي النسخة الحالية من “العرس الديمقراطي” أعاد بشار الأسد “التكتيك المفضوح” نفسه، ووضع أمامه مرشحين اثنين لا تكاد الغالبية العظمى من السوريين تعرف صورهم أو تتذكر أسماءهم.

وفي الوقت الذي تروّج فيه وسائل إعلام النظام “العامة والخاصة” لبشار الأسد (في مخالفة صريحة لقانون الانتخابات الذي يمنع وسائل الإعلام الحكومية من الترويج لمرشح معيّن) لا تكاد تلك الوسائل تأتي على ذكر المرشحَين المجهولين.

ووسط آلاف الصور المنتشرة لبشار الأسد في شوارع المدن والبلدات، تظهر صورة خجولة هنا وأخرى هناك للمرشحين الذين باتا مادة واسعة للسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي.

أرقام “خلبية”

وفقاً لدراسة إحصائية نشرتها وكالة “الأناضول” في 4 أيار الحالي، فإن العدد الإجمالي المفترض لسكان سوريا في 2021 هو 26.38 مليون شخص، وعدد السوريين في الداخل 16.47 مليوناً، يعيش منهم في مناطق سيطرة النظام نحو 9.4 مليون، أي ما يقارب 57 % من إجمالي عدد السكان، منهم نحو 40 بالمئة تحت السن القانونية للانتخاب، بحسب بيانات الأمم المتحدة، أي إن من بقي ممن يحق لهم التصويت في الانتخابات المزمع إجراءها نحو 5.64 مليون شخص فقط.

وعلى الرغم من تلك الإحصائية التي تبدو منطقية جداً بالنسبة لما يعرفه السوريون جيداً على أرض الواقع، إلا أن وزير داخلية الأسد أعطى أرقاماً تخالف ذلك وتبدو “أقرب للخيال”.

حيث نقلت وكالة “سبوتنيك” الروسية عن “محمد خالد الرحمون”، وزير داخلية الأسد، اليوم الثلاثاء، قوله إن “أكثر من 18 مليون مواطن سوري داخل القطر وخارجه لهم الحق في التصويت في الانتخابات الرئاسية”.

وأوضح “الرحمون” خلال مؤتمر صحفي بدمشق: “تم تجهيز 12102 مركز اقتراع في جميع المدن والمناطق (التي تقع تحت سيطرة النظام). وقد بلغ عدد المواطنين يحق لهم الانتخاب داخل القطر وخارجه بلغ 18 مليوناً و107 آلاف و109 أشخاص بعد حسم المحرومين من حق الانتخاب، في إشارة إلى المعارضين للنظام والقاطنين في مناطق شمال غربي سوريا ومناطق سيطرة الجيش الوطني السوري.

وأصر الأسد وحلفاؤه الروس على إجراء “انتخابات الرئاسة” في ظل إجماع غربي على رفض نتائجها، واعتبارها مخالفة للقرار الدولي 2254، وصدرت عدة تصريحات أمريكية وأوروبية وصفت انتخابات الأسد بأنها “لن تكون لا حرة ولا نزيهة، ولن تُكسب نظام الأسد أي شرعية” وفق تعبير السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة “ليندا توماس-غرينفيلد”، خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي في نيسان الماضي.

وفي بيان مشترك دعا وزراء خارجية الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة إلى مقاطعة الانتخابات الرئاسية في سوريا، التي “لن تؤدي إلى أي تطبيع دولي للنظام”.

كما أعلنت الأمم المتحدة على لسان مبعوثها الخاص إلى سوريا “غير بيدرسن”، أنها “غير منخرطة” في تلك الانتخابات، مؤكدة أهمية التوصل إلى حل سياسي وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2254، بينما علّق “ستيفان دوجاريك” المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، على إجراء الانتخابات بالقول إنها “ليست جزءاً من العملية السياسية”.

ومنذ سيطر حافظ الأسد على الحكم في سوريا بانقلاب عام 1970، وحتى العام 2007، سارت “انتخابات الرئاسة” على طريقة “الاستفتاء”، حيث توضع في البطاقة الانتخابية كلمتا “نعم” و”لا”، دون وجود أي مرشحين سوى حافظ أو ابنه.

سوريا – راديو الكل

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى