الآثار النفسية السلبية لاستخدام الأهل العنف مع أطفالهم

يمتلك الأطفال لغة خاصة في اللعب والفهم والتعامل مع المجتمع المحيط الذي يشكل لهم كنزا ثمينا من المجهول الواجب اكتشافه بكل الأساليب المتاحة والتي قد تلحق بهم الضرر و بغيرهم على جهل و قلة خبرة، ومن هنا تبدأ معاناة الأهالي في السيطرة على تصرفات أبنائهم و في سبيل ضبط الأخطاء و تعليمهم التمييز بينها و بين الصواب، هي معاناة تختلف من ابن لآخر على قدر عناد الطفل و قابليته للتجاوب و ما يساهم إلى حد كبير في هذه العوامل هي الأساليب المتبعة من قبل الاهل و التي تختلف باختلاف أفكارهم ومنابتهم الاجتماعية ، ومعظم هؤلاء الأهالي يستخدمون مبدأ العقاب والثواب لتوجيه أطفالهم.

وبالحديث عن مبدأ العقاب، هنالك العديد من الأساليب التي يستخدمها الاهل لعقاب الطفل و يعتبر الضرب واحدا من أساليب التربية المنتشرة في سوريا اذ يرى أصحاب هذا الأسلوب ان الطفل لا يمكن تقويمه إلا بالعصا ، و أن هذا الأسلوب ضرورة لا غنى عنها ، و طبعا اعتمادهم الأساسي على مقولات أجدادهم العصا لمن عصا و العصا خلقت من الجنة.

بالمقابل هنالك أصوات أكثر وعيا لعدم جدوى هذا الأسلوب و التي تنظر إلى الطفل بعين الرحمة و المحبة و ترى انه أضعف و أقل خبرة من أن يعاقب على فعل لا يستطيع تحديد مدى سوءه.
يعتبر الضرب واحدا من أوهن أساليب التربية و أكثرها سلبية على المدى القصير و البعيد في آن واحد و هو ما يزيد من خطورته ، فحسب دراسة علمية أجرتها جامعة نيو هامشير البريطانية تبينت أن الطلاب الذين تعرضوا للضرب في المنزل تدهورت قدراتهم في التفكير و القراءة و الحساب ، و هذه واحدة من الاثار التي تظهر على الأطفال لاحقا الذين قد يعتادون على هذا الأسلوب و يزيد عنادهم و شعورهم بالخوف و الكراهية و المشاعر السلبية تجاه الاهل و المحيط و التي من الممكن ان تترجم في مراحل النضج إلى سلوكيات مرفوضة اجتماعيا .

ضرب الأطفال و تعنيفهم ليس ظاهرة جديدة فهي واحدة من الظواهر التي رافقت البشرية منذ بدئها فالحضارات اليونانية والرومانية اعتبرت الطفل أداة، والأب حراً بالتصرف فيه في أية لحظة ولكن قبل نهاية الإمبراطورية الرومانية بدأت القوانين الخاصة بحماية الطفل بالظهور و باتت تفرض على الاب مسؤولية تأمين العناية و الطعام لأطفاله.

ومع مرور الوقت تطورت القوانين الإنسانية وعملت على تأمين حماية الطفل من جميع أشكال العنف و كان ذروتها تأسيس منظمة اليونيسيف المعنية بشؤون الطفل و التابعة للأمم المتحدة ، ورغم الجهود الكبيرة المبذولة في هذا السياق لا يزال العديد من الأطفال يعانون من التعنيف الاسري و المجتمعي على مستوى العالم، ففي دراسة عالمية أجرتها اليونيسيف منذ اكثر من سنة بعنوان الأطفال خطر أشارت فيها ان المنزل قد يغدو مكاناً يعاني فيه الأطفال من العنف عبر التأديب، مشيرة أن البيانات المستمدة من 37 بلداً على ان 86 في المئة من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 2 – 14 عاماً يتعرضون للعقاب البدني أو العدوان النفسي، ويتعرض طفلان من بين كل ثلاثة أطفال للعقوبة البدنية ومن بين النتائج التي توصلت إليها الدراسة ان نشاط أدمغة الأطفال ضحايا العنف يشبه إلى حد بعيد نشاط أدمغة الجنود الذين شاركوا في معارك، كما يشير التقرير إلى أن الأطفال الذين يعيشون في حالة من الفقر هم أكثر عرضة لأن يكونوا ضحايا العنف أينما كانوا في العالم.

وفي هذا السياق يقول الطبيب النفسي “جلال نوفل”، أن الإشكالية عندما يمارس الأهل العنف ضد أطفالهم ولا يعتبرون أنفسهم يعملون شيء غير صحيح، منوهاً أن السبب الرئيسي للضرب هو الوصول إلى مرحلة عدم التحكم بالعقل.

وأضاف “نوفل” في حوار مع راديو الكل، أن افتقار الأهالي لأساليب تربية الطفل وعدم إعطاء أنفسهم فرصة التواصل مع الطفل بأساليب غير معنفة يدفعهم للجوء إلى الضرب، مشيراً إلى أن ذلك يعلّم الطفل العنف ويبات يقلد الكبار حينما يصادف مشكلة مع أخواته أو مع أصدقائه، وبالتالي تدوال العنف وتوريثه في المجتمع بتقليد نماذج الكبار في العنف بين الصغار.

لافتاً إلى خطورة بعض القيم الإجتماعية التي تحملها العائلة وتنقلها بأن يكون العنف وسيلة تربوية، حيث تدعي العائلة أن التربية القاسية أفضل للطفل.

ودعا الطبيب إلى استخدام الأهل تعديل سلوكيات الطفل الغير مرغوبة، ومحاولة تفهم الطفل والشيء الذي دفعه للتصرف بالسلوك الغير مقبول ومن ثم إيجاد حل للمشكلة عوضاً عن الضرب، إضافة إلى توضيح للطفل الآثار المترتبة على التصرف بشكل خاطئ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى