جنيف 3 بين تأييد الشارع السوري ورفضه

سوريا هي البداية و كل حروف الحكاية التي لا تزال الأيام تخطها بدماء المدنيين بانتظار نهاية مشرفة لثورة خرجت في بداية عام 2011 ضد نظام فاسد و كانت كلها يقين أن الدول التي تدعي حماية حقوق الانسان ستساندها ، و لكن كانت النتيجة هي الخذلان الذي اعتاد الشعب السوري على تجرعه خلال خمس سنوات من القتل والقصف و الاعتقال و التدمير و التهجير القسري الممنهج ، و بقى الامل بإيجاد حل عسكري كان او سياسي ، و لأجل الأخير عقدت العديد من المؤتمرات التي راحت توصياتها حتى اليوم ادراج الريح.

وفي هذه الأيام تعقد مفاوضات جنيف 3 و الذي كان نتيجة لأيام كثيرة من المشاورات قام بها المبعوث الدولي إلى سوريا ستافان دي ميستورا وقد كان من المزمع بدء المفاوضات في الخامس والعشرين من شهر كانون الثاني لعام 2016  و لكن تم تأجيله لعدة أيام ليصبح اليوم المرتقب هو التاسع و العشرون من ذات الشهر ، وقد اشترط المنسق العام لهيئة المفاوضات التابعة للمعارضة السورية رياض حجاب انهاء حصار المدن والبلدات السورية ووقف القصف لحضور المفاوضات، كما أن المعارضة حصلت على وعود أممية و أمريكية بتلبية مطالبهم، حيث وصل وفد المعارضة حاملاً معه الكثير من أمال الشعب السوري.

في الوقت الذي يعقد فيه جنيف تستمر معاناة السوريين فمنذ يومين فقط استهدف الطيران الروسي مخيم أوبين للنازحين السوريين في اللاذقية، و لا تزال طائرات النظام المحملة بالبراميل والأسلحة العنقودية تمطر المناطق المحررة و لا يزال الحصار الخانق محكما على كثير من المدن و البلدات و الاحياء  و لا تزال الأصوات المخنوقة ألما تئن في معتقلات الأسد ، فالمعاناة السورية عمرها من عمر الثورة و كلما زادت الأيام كبرت و تشعبت وجوهها و لكثرة ما مٌني هذا الشعب بالخيبات المتلاحقة فقد الثقة بالجميع و بات يعتبر جميع المفاوضات بلا أي فعالية حقيقة على أرض الواقع.

و بين مؤيد ومعارض للمفاوضات.. وبين من لا يزال يملك الامل و بين من فقده بعد مقتل أكثر 240 ألف مدني و اعتقال أكثر من 200 ألف شخص حسب الشبكة السورية لحقوق الانسان ، عدا عن تشريد أكثر من عشرة ملايين سوري بين نازح نزوحا داخلي و مهجر إلى دول الجوار ،  بعد كل ما حل بسوريا من ويلات و كوارث إنسانية ، ستبقى كلمة الفصل للشعب السوري الذي قالها منذ اليوم الأول لثورته “يسقط الأسد و سوريا بدها حرية”.

في هذا الصدد يقول العقيد الركن معتز رسلان المحلل العسكري والاستراتيجي، مع بداية محادثات جنيف لن يتغير شيء على الأرض فروسيا وقوات النظام لا تزالا تقصفا بالصواريخ والمدفعية معظم المناطق المحررة، وأن الضمانات الدولية غير ملموسة والمجتمع الدولي حتى الآن غير جاد في إيجاد حل للشعب السوري.

وأشار “رسلان” لراديو الكل، إلى أن الفصائل السورية الثورية تهمهما مصلحة الشعب السوري ولا يمكن أن تستمر في إطلاق النار في حال توقف النظام عن القصف وأطلق سراح المعتقلين وفك الحصار عن المناطق المحاصرة وأدخل إليها المساعدات، وكذلك عندما تنسحب إيران وروسيا ومليشيات حزب الله من سوريا، حينها يقول الشعب السوري الذي خرج من أجل نيل حريته كلمة الفصل وليس الفصائل أو النظام.

وأضاف العقيد أن النظام فقد شرعيته وتمثيله للشعب السوري وسلّم زمام سيطرته إلى المحتل الروسي والمليشيات المتعاونة معه، مؤكداً أن المساحة التي يسيطر عليها النظام لن تؤثر على المفاوضات، كما أن المفاوضات ليس لها أي تأثير على العمليات العسكرية على الأرض في حال عدم تطبيق وقف إطلاق النار.

من جانبه قال الأستاذ “عبد الرحمن مطر” مدير مركز الدراسات المتوسطية، أن جنيف 3 لا يختلف كثيراً عن المحادثات السابقة، لكن أهميته كجولة من التفاوض بين النظام والمعارضة هي مرحلة تسوية جديدة تقود إلى حل سياسي تنفيذاً للقرارات الأممية تحديداً “2254”، مضيفاً أن على محادثات جنيف يعول الكثير لوقف المجازر التي يرتكبها النظام وروسيا وإيران، وكذلك لفك الحصار عن المناطق المحاصرة.

ولفت “مطر” لردايو الكل، إلى أن الجانب الإنساني هو الهدف الأشمل من الذهاب إلى جنيف بغض النظر عن العملية السياسية والتي ستسغرق في حال انطلاقها وقت طويل كما هو معتاد في الصراع السياسي أو العسكري بين أي طرفين، وأوضح أن التسوية تتطلب تقديم تنازلات من كل الأطراف لتغيير الواقع المرّ في سوريا.

وأثنى مدير المركز على الهيئة العليا للمفاوضات معتبراً إياها رفعت صوتها عالياً بما يفكر به السوريون ونقلت كلامهم بعقلانية وهو ما يميّز طريقة الطرح التي اعتمدت عليها، كذلك استطاعت الهيئة من إحراج المجتمع الدولي كخطوة أولى، وتمنكت من منع موسكو من التدخل في تشكيل وفد المعارضة، كما أقصت صالح مسلم من حضور مؤتمر جنيف والذي يعد من تركيبة النظام، على حد وصفه.

وأضاف في السياق أن الهيئة أوجدت عملية موازنة بحيث تعاملت مع شروط المجتمع الدولي وبإبقاء القوة العسكرية متمثلةً بفصائل الجيش الحر وجيش الإسلام ضمن تركيبة الوفد المعارض.

وعلق “مطر” حول إمكانية انسحاب المعارضة من المفاوضات، بالقول العمل السياسي عمل طويل ويحتاج إلى فهم معطيات الواقع وإدارك مدى قدرات الأطراف.

وأوضح في ختام تصريحاته إن اللقاءات المتكررة بين الأطراف الدولية أفضت إلى أجندة يجب أن يبدأ التفاوض عليها في جنيف 3، ومن ثم وضع جدول زمني لهيئة حكم انتقالي لرحيل الأسد بشكل تدريجي عن السلطة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى