هل تخلت أوربا عن اللاجئين السوريين؟

هرباً من سوريا حيث يتربّص بهم الموت في كل مكان؛ يهاجر آلاف السوريين بحثاً عن فرصة للحياة في دول الاتحاد الأوروبي التي تمنح حق اللجوء السياسي والإنساني للفارين من جحيم الحرب من بلادهم.

 

إلا أن القصة لا تنتهي بالوصول إلى شواطىء القارة العجوز؛ إذ يبدو أن تلك الدول بدأت تعيد النظر في سياسة الأبواب المفتوحة أمام اللاجئين السوريين الذين تعاطفت بداية مع معاناتهم التي عدت أسوء أزمة لجوء في العالم منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.

 

ألمانيا مثلاً، التي تصدرت قائمة الدول المرحبة باللاجئين وخاصة السوريين منهم، أعلنت بداية شهر نوفمبر الماضي معاودة تطبيق اتفاقية دبلن وذلك بعد ثلاثة أشهر من تعليق العمل بها، وهي تنص على أن “اللاجئين يجب أن يسجلوا انفسهم ويقدموا طلب اللجوء في الدول التي يدخلوا منها أراضي الاتحاد الأوروبي”، كما تقضي الاتفاقية بإعادة ترحيل اللاجئين إلى البلد الأوروبي (الأول) الذي أتوا منه.

 

ليس بعيداً عن ألمانيا وعرابة اللاجئين فيها المستشارة “أنجيلا ميركل”؛ أثارت السويد مؤخراً الكثير من الجدل، وهي التي لطالما عرفت بتضامنها مع اللاجئين والمهاجرين، واستقبلت أكبر عدد منهم مقارنة بعدد سكانها؛ فقد صرحت على لسان وزير داخليتها أنها تعتزم ترحيل نحو ثمانين ألف طلب لجوء رفضت السلطات طلباتهم، مبررة ذلك بأنها لم تعد قادرة على الاستمرار في تلقي كل هذا العدد من طلبات اللجوء، جاء ذلك بعد قرار سابق لها بمنح الإقامات المؤقتة بدلاً عن الإقامات الدائمة التي عدت بمثابة امتياز للاجئين السوريين.

 

أما فرنسا التي تغنت طويلاً بشعارات “الإنسانية أولاً”…. و”حق اللجوء لكل شخص مضطهد”؛ وكتبتها على جدران شوارعها بعدة لغات؛ أصبحت أكثر تحفظاً تجاه اللاجئين وذلك على خلفية الهجمات التي تعرضت لها العاصمة باريس منتصف شهر نوفمبر تشرين الثاني الماضي، والتي أودت بحياة مئة وتسعة وعشرين شخصاً على الأقل، في وقت ترفع عدة ولايات أمريكية شعار “لا للاجئين السوريين في الولايات المتحدة الأميركية” لذات الدوافع الأمنية.

 

على المقلب الآخر ساهمت تركيا في تعميق الجرح السوري، بعد قرارها الأخير فرض تأشيرة دخول على المواطنين السوريين الراغبين في دخول أراضيها، وهي التي استقبلتهم سابقاً دون قيود أو شروط.

 

المسؤولون الأتراك الذين لطالما ترددت على ألسنتهم عبارات الترحيب بالسوريين، وبأنهم ضيوف ومهاجرين وهم انصار لهم؛ يبدو أن هناك مزاجاً جديداً لديهم في التعاطي مع مسألة ضبط التدفق الهائل للسوريين القادمين إلى تركيا، سواء للاستقرار فيها أو كمحطة عبور تجاه أوروبا، هذا التطور اللافت يرى مراقبون بأنه جاء ضمن اتفاق مع الاتحاد الأوروبي للحد من الهجرة إلى دوله، والذي تضمن أحد بنوده تقديم ثلاثة مليارات يورو لتركيا من أجل تحسين أوضاع اللاجئين السوريين لديها.

 

وفي هذا المحور قال السيد “جمال قارصلي” عضو سابق في البرلمان الألماني، أوربا لم تتبنَ في يوم من الأيام قضية اللاجئين السوريين إنما فرضت عليها بغير إرادتها، مشيراً إلى تصرف بعض الدول بشكل إنساني مثل ألمانيا بإستقبال اللاجئين.

لافتاً إلى إنه عندما زاد عدد اللاجئين بدأت الدول الأوربية بوضع حدود وقوانين وتعقيدات بخصوص موضوع اللجوء كما حصل حالياً في ألمانيا وكثير من الدول الأوربية.

وعن هدف أوربا من استقبال اللاجئين، أكد “قارصلي” إن الهدف الأول هو العامل الإنساني بعدما رآت دول أوربا مأساة الشعب السوري وقامت بواجبها، مضيفاً إنه لا يخلو الأمر من بعض الأفكار أو المواقف الإستراتيجية والتي لها علاقة بالتركيبة السكانية على سبيل المثال، وكذلك الإستفادة من عمل الشباب في المستقبل كمراحل بعيدة.

وبيّن على كثافة هجرة السوريين بسبب اتباع النظام سياسية التغيير الديموغرافي، مبيناً في السياق إلى وجود أكثر من 60 مليون إنسان لاجئ من مختلف دول العالم بسبب الحروب أو الكوراث الطبيعية.

وأوضح أن تطبيق بنود اتفاقية جنيف عام 1951 الخاصة باللاجئين، يكون بشكل نسبي ويختلف بين دولة وآخرى، فهناك دول تقدم جميع الإمتيازات للاجئين، فيما تنظر بعض الدول إلى قضية اللاجئين بأنهم عبء، أو تقوم دول آخرى بإغلاق أبوابها، وأكد على مسؤولية المجتمع الدولي بالدرجة الأولى توفير حياة كريمة للاجئين السوريين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى