“لا تتركوا أثراً”.. المركز السوري للعدالة يكشف إحراق نظام الأسد جثثاً ودفنها بمقابر جماعية بدرعا

نشر المركز السوري للعدالة والمساءلة الحقوقي، تحقيقاً موثقاً عن قيام المخابرات العسكرية في قوات النظام والفرقة التاسعة التابعة له، بإحراق جثث مدنيين ومنشقين وأعضاء من المعارضة وغيرهم من غير المقاتلين الذين تم إعدامهم ميدانياً في سوريا.

وقال المركز في تحقيق نشره، اليوم الإثنين، إن أجهزة الأمن بقوات النظام دأبت على تنفيذ إعدامات ميدانية بحق المدنيين ومقاتلي المعارضة منذ اندلاع الثورة في سوريا.

وسلطت التقارير الصادرة مؤخرا الضوء على تلك الجرائم لا سيما التحقيق في الإعدامات الميدانية المنفذة خارج نطاق القضاء بحق المدنيين في حي التضامن بدمشق، وتقرير المجلس السوري البريطاني بمناسبة الذكرى العاشرة لمجزرة داريّا التي أقدمت فيها قوات النظام وحلفاؤه على قتل أكثر من 700 مدنيٍ في داريا عمدًا، قضى معظمهم جراء تنفيذ عمليات إعدام ميدانية بحقهم.

وأضاف أن أحدث أبحاث المركز السوري للعدالة والمساءلة (المركز) لا يقوم بالكشف عن المزيد من الأدلة على ارتكاب الإعدامات الميدانية فحسب، وإنما يبرز معلومات جديدة تظهر قيام حكومة النظام بالتخلص بشكل منهجي من الرفات البشري وإتلافه في محاولة على ما يبدو لطمس هوية الضحايا.

وأشار إلى أنه من خلال الجمع ما بين البيانات المفتوحة المصادر والتوثيق الميداني، كشف المركز النقاب عن أدلة تربط عناصر من الفرقة التاسعة بارتكاب ممارسات التعذيب والإعدام الميداني بحق المدنيين والمقاتلين المنشقين في عام 2012، وذلك في مكان يقع بين قرية القنية ومدينة الصنمين في محافظة درعا.

وبيّن أنه حصل أيضاً على مقاطع فيديو تُظهر عناصر من فرع المخابرات العسكرية في المسمية في درعا، وآخرين من اللواء 34 مدرع التابع للفرقة التاسعة وهم يتخلصون من جثث أولئك الضحايا.

وأوضح التحقيق أن الجناة حرصوا على التقاط صور فوتوغرافية وتصوير مقاطع فيديو للعملية برمتها، بما في ذلك تصوير عملية سكب البنزين على وجوه جثث الضحايا وأياديهم قبل أن يضرموا النار فيها.

وقال المركز أنه على الرغم من أن هذه هي المرة الأولى التي تخرج فيها مادة توثق هذه العمليات إلى العلن، فمن المرجح أن حرص الجناة وطريقة تعاملهم مع عملية إتلاف الرفات البشري بشكل منهجي بحضور ضباط كبار يشير إلى اعتماد ممارسات ممنهجة على نطاق واسع من طرف النظام تهدف من خلالها إلى إتلاف الأدلة التي تثبت ارتكابها لتلك الجرائم، وحرمان ذوي الضحايا من معرفة مصير أحبتهم، أو استلام رفاتهم.

وتشير تفاصيل التحقيق الذي نشره المركز السوري للعدالة والمساءلة الحقوقي إلى أنه في أواخر العام 2021، تواصل مع المركز أحد الناشطين الإعلاميين السوريين من ضواحي دمشق (ويُشار إليه من الآن فصاعدا باسم “المصدر”)، يقيم خارج البلاد حاليًا، وتحدث عن حيازته لمجموعة من مقاطع الفيديو والصور الفوتوغرافية تظهر عمليات إعدام معتقلين، وحرق جثثهم قبل دفنها.

وقال إنه تم العثور على مقاطع الفيديو مخزنة أصلا على هاتف نقال وحاسوب محمول يعودان إلى إحدى المجموعات التابعة للنظام عقب تعرضها لكمين على طريق الشقرانية بدرعا على يد إحدى جماعات المعارضة المسلحة (لواء أمهات المؤمنين). وتواصل أحد أعضاء اللواء مع “المصدر” عقب الكمين، وعرض عليه أن يبيعه جهاز حاسوب محمول استولى عليه من إحدى المركبات التي وقعت في الكمين.

واشترى المصدر الحاسوب المحمول، وقام بتنصيب برمجية لاستعادة الملفات التي كانت مخزنة على الذاكرة، وتمكّن من استرجاع 131 مقطع فيديو، و440 صورة فوتوغرافية، واثنين من ملفات التسجيل الصوتي.

ويوفر هذا التوثيق أدلة بصرية واضحة على حرق رفات بشري ودفنه في مقابر جماعية من طرف عناصر فرع المخابرات العسكرية في المسمية، وعناصر اللواء 34 مدرع التابع للفرقة التاسعة. كما زود عنصر لواء أمهات المؤمنين المصدر بمقطعي فيديو للكمين تولى تسجيلهما عناصر آخرون من اللواء.

وعقب عدة جولات من النقاش واستعراض بعض العينات، وافق “المصدر” على مشاركة كامل مجموعة البيانات التي بحوزته مع المركز. وعقب تشذيب المادة المستلمة (من حيث حذف المقاطع المكررة، والملفات التالفة، والمواد غير ذات الصلة بتوثيق الجرائم الخطيرة)، تولى محللو المركز السوري للعدالة والمساءلة إدخال 147 مادة توثيقية إلى قاعدة بيانات المركز المعروفة باسم “بيانات” وشملت 94 صورة، و52 مقطع فيديو، وملفا صوتيًا واحدًا.

تصف أربعة مقاطع فيديو ضمن مجموعة البيانات تلك الواقعة الرئيسية التي يوردها التقرير وتتمثل في حرق رفات بشري ودفنه. كما يوفر 30 مقطع فيديو آخر توثيقا إضافيا لقيام عناصر الوحدة العسكرية ذاتها بالتخلص من الجثث.

وعقب إجراء تحليل أكثر عمقا، تم الجزم بأن آخر 18 مقطعًا من مقاطع الفيديو، والصور الفوتوغرافية الـ 94، والملف الصوتي الثاني لم تكن على صلة بالواقعة الرئيسية محط التحقيق والاستقصاء، ولكنها ترسم ملامح انتهاكات أخرى ممكنة من قبيل ما يلي: وقائع أخرى لحرق جثث ضحايا، ومشاهد من الكمين الذي لقي فيه الجناة مصرعهم، وغير ذلك من الجرائم المرتكبة بحق جثث ضحايا، وتسجيل صوتي للمفاوضات مع خاطفين، وصور فوتوغرافية لمعتقلين وقد بدت عليهم آثار التعرض للتعذيب، وجنود يشاركون في عمليات عسكرية، وبعض الصور الشخصية. وتولى محللو المركز حفظ جميع مقاطع الفيديو والصور الفوتوغرافية وتخزينها عقب تحليلها بشكل وافٍ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى