حكاية الثورة السورية.. حراكها ورموزها وكيف تحولت سلميتها إلى السلاح

حكاية الثورة السورية.. حراكها ورموزها وكيف تحولت سلميتها إلى السلاح

في درعا البلد نطق الجدار معلناً سقوط أول جدران الخوف..”الشعب يريد إسقاط النظام”،عبارة كان أول من خطّها ونطقها أطفال سوريا، ومن هنا بدأت الشرارة الأولى في الثورة التي انتشرت إلى باقي المدن والبلدات كالنار في الهشيم.

ومع بداية حكاية الثورة؛ كشفت سوريا عن وجوه مبدعيها دفعة واحدة، بعد أن كانت محتجبة لعقود طويلة خلف برقع الاستبداد، أحرار عشقوا الحرية، فغادروا الخوف، وواجهوا الطغاة بحناجرهم وصدورهم قبل البندقية والقلم.

وكما عودنا التاريخ بأن لكل ثورة مشاهيرها؛ لم تخرج الملحمة السورية عن هذه القاعدة، إذ أفرزت عدداً من الشخصيات الجريئة التي شاركت في صناعة المشهد، من بينهم (إبراهيم القاشوش) ابن حماة، الذي انخرط في الثورة بعد أشهر من انطلاقتها، كتب الأهازيج الثورية المناوئة لبشار ولشقيقه ماهر وحزب البعث، والتي سرعان ما تناقلها السوريون جميعاً في تظاهراتهم لينال لقب “منشد الثورة السورية”.

إبراهيم القاشوش شاب سوري لم يحمل السلاح لكن صوته أزعج نظام الأسد فقط لأنه بشّر المتظاهرين وغنى لهم: “صحينا بكّير على صوت النواعير” فقرر كتمه إلى الأبد، ووجدت جثته مرمية في نهر العاصي وقد استئصلت حنجرته.

الطريقة القاسية التي اقتلعت بها حنجرته كانت تهدف لردع انتشار هذا النمط الغنائي الحماسي الموجّه مباشرة لشخص الرئيس، تماماً كما تم تهشيم أصابع الرسام “علي فرزات” فيما بعد.

إلا أن الأمور جرت بما لا يشتهي النظام، حيث أن تلك الجريمة تسببت في حملات تأييد لطريقة القاشوش الإنشادية، وظهر العديد في المظاهرات السورية ممن ردد النمط ذاته وبالشعارات نفسها أو بأخرى ولكن على نفس النسق اللحني الذي ابتكره القاشوش، وأطلق على هؤلاء تسمية “القواشيش”.

القاشوش أصبح رمزاً للثورة السورية، وتحول من منشد للثورة إلى أيقونة بطولة بكلماته التي عزفها بدمه، وبحنجرته الثائرة التي كانت أبلغ من النار والبارود. رحل وقد امتزجت دماؤه بمياه العاصي، تاركاً صوته في نفوس الملايين ممن أحبوا الثورة وعشقوا نشيد حريتهم.

ومن القاشوش إلى حنجرة ثائرة أخرى، (سميح شقير)، الذي عندما يبدأ الكلام عنه فالحديث يطول، عن رجل حر في زمن ندرت فيه الرجال، فنان سوري ملتزم بدأ منذ ثلاثين عاماً، كان يحمل هموم الناس، ويؤمن بأن المقاومة هي خيار لابد منه، وتكون بتحرير الإنسان أولاً قبل الوقوف في وجه الطاغية.

عرف شقير بأغانيه الوطنية الثورية التي قام بتلحين وكتابة معظم كلماتها بنفسه، معتمداً أسلوب النقد الساخر ليكون صفعة للزمن الرديء، بالإضافة إلى غيرها من الأغاني الإنسانية والعاطفية.
الفنّان المستقل الذي لم ينتمِ إلى أيّ حزبٍ سياسي يحلم بالحرية لوطنه، وقد أهدى أغنيته “يا حيف” لشهداء درعا الذين سقطوا على يد قوى النظام بعد انطلاقة ثورة 15 آذار في سوريا، لينعته بعدها النظام “بالخائن” بعد أن كانت أغانيه الوطنية تصدح في إذاعاته.

“شقير” الثائر يؤمن بأن سر الوهج الساطع في أشهر الثورة الأولى كان بسبب انتصارها الأخلاقي أمام جرائم النظام، واليوم ورغم دموية المشهد لابد من الإصرار على الانتصار الأخلاقي من خلال حماية المدنيين، والحرص على وحدة النسيج الاجتماعي السوري بكل مكوناته ليكمل حضارته بعد انتصار الثورة المأمول، مع “شقير” سنتحدى كما قال جدران السجن، وسنكتب بأظافرنا شعراً، وسننتظر لنكتب معاً خاتمة الأشياء كما الشعب يرغب.

“متى أراك حراً يا وطني” ليست كلمات بل نزيف دماء الشهداء الذين لم يجد جندلي ما يحميهم به سوى الوطن، مالك جندلي مؤلف موسيقي نال سنة 2011 جائزة حرية التعبير من مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية في لوس أنجلوس، تكريماً له عن مقطوعته “وطني أنا” وعن دوره في الربيع العربي ودعم الديمقراطية وحقوق الإنسان.

أهدى جندلي أغنيته المشهورة “وطني أنا” للشعب السوري الثائر ولكل من يناضل من أجل الحرية، وتسببت هذه الأغنية بالاعتداء على والديه في منزلهما بمدينة حمص من قبل عناصر الأمن.
كما كرّس جندلي مقطوعةً أسماها “سيمفونية القاشوش” تكريماً لإبراهيم القاشوش منشد الثورة السورية، صورها في فيديو أظهر وحشية الأمن السوري في تعامله مع الفنانين المعارضين.

وعندما نستذكر بدايات الثورة وأيقوناتها؛ لابد أن نتوقف عند أولى قطرات الحرية (غياث مطر)، برفقة باقة القرنفل الأبيض وقارورات من الماء التي كان يحملها ويتنقل بها على الحواجز الموجودة في داريا، ليقدّم الورود لكل عناصر الأمن والجيش تأكيداً على السلمية ومبدأ اللاعنف الذي نادى به دائماً.

هو “غياث مطر” رمز الحب والسلام، هتف للثورة والحرية بصوته الرنان، وتميز بسلوكه الراقي وإصراره على سلمية النضال حتى لقب بـ “غاندي الصغير”.
شارك بتنظيم المظاهرات وكتابة الشعارات، إلا أن سلميته لم تغفر له، إذ بدأت عصابات الأمن تلاحقه وبعد مسلسل من الملاحقة والضغط والتهديد والوعيد شمل دهم منزله ومنازل أقاربه عدة مرات؛ اعتقل غياث في تاريخ 6 أيلول 2011 إثر كمين نصبته له قوات الأمن السورية.

انتفضت سوريا وداريا لاعتقال مطر، لكن وبعد أربعة أيام فقط سلمت جثته لعائلته بعد أن تعرّض للتعذيب في أقبية المخابرات الجوية، فقد كانت تحمل جروحاً في الصدر والوجه وآثار حروق على رقبته وصدره بالإضافة إلى شق في البطن، ما يرجح ان تكون عملية سرقة لبعض أعضائه قد تمت قبيل تسليمه لعائلته.

وفي الذكرى الخامسة للثورة السورية لابد أن نستعيد كلمات وصية المناضل الكردي (مشعل تمو) التي قال فيها: “ابصقوا في وجه جلاديكم فالمستقبل لكم، نحن لا نخاف الموت بل نعشق الحياة، لذلك عندما نهديها دمنا فنحن نبنيها ونصنعها لأولادنا وأجيالنا القادمة”.

الحراك السلمي

أفاد ممثل شباب الحراك السلمي “وائل الخالدي”، بأن الحراك السلمي هو حراك شعبي شرعي ينطلق من الشارع والأصوات المكونة للشعب، حيث يعتمد على الشرعية الحقيقية في اختيار الشعب حكامه وتقرير المصير.

ولفت “الخالدي” لراديو الكل، إلى أن أي تحرك سلمي في ظل وجود نظام ديكتاتوري سيؤدي إلى حصار، منوهاً أن العمل الإغاثي “الطورائ” يكون مرافق للحراك السلمي، حيث قدم الناشطين الإغاثيين الشهداء في سبيل إيصال المساعدات إلى المحاصرين.

وأكد أن فكرة الجيش الحر وجدت لحماية المظاهرات من استهدفات النظام، معتقداً أن الثورة لم تتحول إلى النزاع المسلح فهي مستمرة ولكن انخفضت وتيرتها وإعلامها، كما طغى عليها بعض الأعمال المسلحة.

وأشار إلى أن المظاهرات التي خرجت في العديد من المناطق السورية الجمعة الماضية، هي دليل واضح على سلامة الثورة وأن الشعب لا يزال مصر على أهدافه على الرغم من كل الجرائم المرتكبة في محاولة لصرف الثورة عن مسارها الحقيقي.

وبيّن على وجود أطراف سورية حقيقية استغلت الحراك المدني لتمرير مشاريعها بواسطة الأموال لفرض أناس محسوبين عليها وتحيّد الناس الحقيقيون الفاعلون، وتضاف هذه الأطراف إلى جانب الأطراف الدولية في هذا الإتجاه.

ونوّه في ختام حديثه، إلى منع النظام من إيجاد عمل منظم أعاق وجود ثقافة في العمل المدني، لذا لم يكن لدى الشباب السوري في بداية الحراك الثوري أساس في العمل المدني، وجل ما قاموا به هو ابتكارات، مؤكداً في السياق على وجود حالياً نضوج في هذا المحور بعد مرور 5 سنوات على الثورة.

ريشة هزت العالم

وبين الصرخة والبندقية، سلاح ليس له فوهة، بل خطوط وألوان، “علي فرزات” ريشة هزت العالم، بلوحات كاريكاتورية ساخرة واجه بها ديكتاتورية وتسلّط نظام الأسد، تناول بأسلوبه الفكاهي المميز واقع الحياة اليومي المعاش بما فيه من هموم الناس وأحلامهم وآلامهم.

“علي فرزات” فنان كاريكاتير سوري، يصنف بين أهم مئة رسام كاريكاتير، كما يعدّ من أهم عشر شخصيات مؤثرة في العالم، ويقول فرزات لراديو الكل، أن علاقته السابقة مع بشار الأسد كانت علاقة خدمية وطنية ليس أكثر، لتقديم النصيحة والمشورة من أجل التقرب من الناس وتفهم مشاكلهم.

وذكر “فرزات” إن جريدته التي كانت تصدر في سوريا وبعد إصدار عدة أعداد سارعت المخابرات للتدخل وتم إغبلق الجريدة بسبب انتقادها الحكومة وجوانب الفساد فيها.

ولفت إلى إنشاء فيما بعد موقع على الأنترنت نشر خلاله رسومات كاريكاتيرية تناولت حتى رئيس النظام، وبيّن الإعتداء عليه في ساحة الأمويين حيث تم تهشيم أصابعه.

وأوضح أن رسوماته الناقدة الساخرة آثرت بشكل إيجابي بالناس وكسرت حاجز الخوف حيث بات الناس يحملون الرسومات في المظاهرات، مؤكداً أن فن الرسم الكاريكتيري أدى واجبه في الثورة من خلال تناول النظام بالجوانب الساخرة المبكية في نظرة أمل.

لافتات كفرنبل

من بين مظاهر الحراك المدني السلمي؛ كان ومازال المشهد “الكفرنبلي” بأسلوبه المميز حاضراً وبقوة، عبقرية اللافتات وطرافتها إلى جانب وعيها بما يحدث في العالم بخصوص الثورة السورية استقطبت اهتماماً داخل البلاد وخارجها، عباراتٌ كشفت الكثير عن تقصير مؤسسات الثورة، وجذبت الإعلام الأجنبي لتحتل لوحاتها الصفحات الأولى في عدة صحف بريطانية.

أثبتت لافتات ورسومات كفر نبل تميزها بعد أسابيع قليلة على انطلاقة الثورة السورية، بلافتة لاذعة عن إصرار الرئيس بشار على الحديث عن المؤامرة: “سيدي الرئيس… مؤامرة اللي تخلع رقبتك”… ووصلت جرأتها إلى البيت الأبيض بالعبارة التي أثارت الكثير من الجدل: “أوباما يقتلنا بتسويفه… اشتقنا لجرأة بوش”. وحين يُقال لا شيء يعلو فوق صوت الرصاص فلا تصدقوا… لأن كلمات كفر نبل كانت أقوى وأمضى.

يقول “رائد الفارس” منظم لافتات كفرنبل لراديو الكل، أن الرسومات ظهرت بداية في البلدة لتفنيذ قناة الدنيا التابعة للنظام والتي ادعت أن مظاهرة كفرنبل في بداية شهر نيسان عم 2012 كانت في مصر وليس في سوريا، ومن ثم أدعت أنها في درعا وبأعداد قليلة دون وجود أي شيء يوثقها.

وأضاف “الفارس” أن السبب الثاني للوحات كان لنقل مطالب الشعب في ظل عدم وجود وسائل إعلام حرة مناوئة للنظام، موضحاً أن إعداد الرسومات كان يتم عبر معدات بسيطة وغير مكلفة.

وأشار إلى أن بداية الفكرة كانت عن طريق 3 شبان وخطاط، ومع تقدم الثورة تم تشكيل مكتب إعلامي مصغر عن طريق مجموعة من الشبان يقومون باختيار الأفكار والإعداد والتخطيط على القماش باللغتين العربية والإنكليزية، لافتاً إلى أن الكتابة باللغة الإنكليزية كان هدفها إيصال رسائل للملتقي الغربي (بلدان ومنظمات دولية).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى