كيف تغيرت مؤشرات الاقتصاد السوري خلال عمر الثورة؟

راديو الكل – خاص

“يامخلوف ياحرامي”.. هكذا صدح السوريون بأعلى صوتهم في بداية الحراك السلمي في سورية، محتجين على سرقات رامي مخلوف ابن خال بشار الأسد للاقتصاد السوري، إذ لا يمرر مشروع دون العودة إليه ولاتدخل شركة عقارية ضخمة دون موافقته… ويعرف  في أروقة العملة والاقتصاد في سوريا باسم خمسة بالمئة في اشارة الى العمولات التي يحصل عليها من كل مشروع يدخل البلاد.

ويلتف حول مخلوف ثلة من رجال الأعمال الذي حكموا الاقصتاد السوري واقتسموا كعكته على مدى عقود طويلة وأبرزهم «زهير سحلول» و«نبيل الكزبري»، وطريف الأخرس خال أسماء الأسد و صائب نحاس وغيرها من الأسماء وهذا ما أكدت عليه وثيقة سرية نشرها موقع “ويكليكس”.

وفي العاشر من تموز من العام 2011 وضع الاتحاد الأوروبي اسم رامي مخلوف على قائمة العقوبات بعد المظاهرات التي خرجت ضده فلطالما ارتبط اسم هذا الرجل برأس النظام حتى قيل إن رامي مخلوف هو ستار اقتصادي وتجاري لبشار الأسد “يغسل” له أمواله، وإنهما متورطان في صفقات فساد كبرى بالمليارات. علماً بأن العقوبات ضد مخلوف لم تكن جديدة آنذاك بل إن تاريخها الحقيقي يعود للعام 2008 ضمن مساعي الحكومة الأمريكية  لمعاقبة مسؤولين سوريين قالت إنهم على صلة بمحاولات تقويض الحكم في العراق ولبنان.

ويعتبر مخلوف، أقوى شخصية اقتصادية في سوريا على الإطلاق، ليس لأنه يملك إمبراطورية مالية على رأسها شركة سيريتل للاتصالات، بل لأنه “يتلاعب بالنظام القضائي في سوريا، ويستخدم مسؤولي المخابرات لترويع خصومه من رجال الأعمال”. كما جاء في قرار وزارة الخزانة الأميركية.

وعقب تطور المواجهات في سوريا مع بداية الحراك ضد مخلوف، أعلن الرجل أنه لن يدخل في أي مشاريع جديدة تدر عليه ربحاً شخصياً، وأنه سيطرح جزءاً مما يملكه من أسهم في شركة الاتصالات السورية قريباً لذوي الدخل المحدود للاكتتاب العام. وأعلن عن تحويل أملاكه لصالح جميعة جديدة افتتحها باسم البستان لتكون واجهة مكشوفة  لصفقات يجريها بالخفاء.

مضت الأيام، وحاول مخلوف جاهداً فك العقوبات عن أمواله لكنه لم يفلح، وقد أيد قضاة المحكمة العامة بالاتحاد الأوروبي استمرار فرض العقوبات ورفضت المحكمة الحجج التي قدمها مخلوف حول أن العقوبات تخرق حقه في الخصوصية لأنها تمنعه من الحفاظ على المستوى الاجتماعي الذي اعتادت عائلته العيش فيه.

ومع زيادة حدة الاشتباكات في سورية،  تدهورت أسهم الاقتصاد السوري تباعاً وبدأ ذلك مع فقدان الليرة السورية لقيمتها وتدمير البنى التحتية والمصانع والمعامل والورشات ومحطات الغاز وبدأت الخسائر ترتفع تباعاً، حتى إن آخر تقرير صدر عن المركز السوري لبحوث السياسات باشراف الأونروا قدر أضرار الاقتصاد السوري بنحو 250 مليار دولار، وتتضمن هذه الخسائر الناتج المحلي الإجمالي ومخزون رأس المال والإنفاق العسكري والإنتاج غير الرسمي للنفط والغاز، في حين كشفت دراسة أجراها مركز فرونتيير إيكونوميكس الأسترالي للاستشارات ومؤسسة ورلد فيجن الخيرية أن الخسائر الاقتصادية للحرب في سوريا تقدر بنحو 700 مليار دولار إذا توقف القتال هذا العام، وأنها قد تصل إلى 1.3 تريليون دولار إذا استمرت الحرب حتى عام 2020

وذكرت الدراسة أن هذه الخسائر أكبر 140 مرة من تقديرات الأمم المتحدة والدول المانحة، أما إذا استمرت الحرب حتى عام 2020، واستغرق التعافي الاقتصادي 15 عاما بعد ذلك، فإن الخسائر ستبلغ 1.3 تريليون دولار، وفقا لما ذكرته تشارلز.

غير أنها أكدت أن ما خسره اقتصاد سوريا فعليا بسبب الحرب بلغ حتى الآن 275 مليار دولار. وبحسب الدراسة، فإن الحرب التي اندلعت قبل خمس سنوات تسبب خسائر في النمو قدرها 4.5 مليارات دولار شهرياً.

ولازالت عجلة خسائر الاقتصاد السوري تدور، مع كل قذيفة تسقط فوق رضيف وبرميل يسقد فوق بناء وقرار غير مدروس.. مع كل رشوة يختلسها موظف حكومي من مواطن عنوة,, مع كل حوت يسرق أموال الناس.. لكن بالخلاصة فإن المشهد على سوداويته لا يعني أن السوريين لن يبنوا بلادهم واقتصادهم مجدداً.. وتبدو التجربة الألمانية خير مثال في هذا الصدد، حيث كان واضحا بالنسبة للألمان خطة إعادة اعمار بلادهم،  ففي عام 1955 عقدت ألمانيا اتفاقا مع إيطاليا يتيح لآلاف الإيطاليين بالقدوم إلى ألمانيا للعمل فيها، وهذه لم تكن إلا البداية فقد عقدت ألمانيا عدّة اتفاقية مع إسبانيا، والبرتغال، واليونان والمغرب، تونس وتركيا ليعيدوا اعمار هذه البلاد وفق عقود وصفقات دون رهنها لهم.

وفي هذا المحور أفاد رئيس مجموعة عمل إقتصاد سوريا “أسامة القاضي”، بأن الأضرار التي لحقت بالإقتصاد السوري تقدر بأكثر من 300 مليارات دولار منذ بداية الحرب قبل 5 سنوات، مشيراً إلى دراسة بحثية إسترالية والتي قدرت الخسائر مع تكاليف إعادة إعمار سوريا بأكثر من 6 مليارات دولار.

وأضاف “القاضي” لراديو الكل، إنه لم يعد هناك ما يسمى اقتصاد في سوريا من ناحية الإدارة المركزية، حيث بات يتواجد جزر اقتصادية كثيرة معزولة عن بعضها البعض، واعتبر أن الإقتصاد السوري بات لا مركزي ويدار بشكل عبثي، في حين يدار قسم منه بشكل محلي.

ولفت إلى أن قطاعات الإقتصاد باتت شبه مشلولة تحديداً بعد التدخل الروسي الذي قصف المناطق الحدودية مع تركيا ما أدى لعدم ضمان سلامة تلك الطرق هناك، وذكر أن التضخم الإقتصادي بلغ أكثر من 200% ما بين يناير من عام 2015 ويناير من عام 2016.

وأوضح إلى ارتفاع أسعار السلع تحديداً في المناطق المحاصرة، حيث يبلغ سعر السلة الغذائية العادية في مضايا مليون ليرة في حين يبلغ سعرها في المناطق العادية 20 ألف ليرة سورية.

وأكد على تضرر قطاع النفط بشكل كبير حيث بات تنظيم داعش والأكراد يسيطرون عليه ما حرم السوريون من النفط والغاز، ويضاف إلى ذلك تضرر قطاع السياحة الذي كان قبل بدء الحرب محتشم أساساً.

وبيّن “القاضي” أن قطاع الزراعة يعد أقل القطاعات تضرراً بسبب طبيعة الأرض ومساحتها الكبيرة، إلا أنها فقدت معظم اليد العاملة نتيجة اشتعال جميع جبهات القتال في أرياف سوريا.

ونوّه أن الوضع الإقتصادي الحالي في سوريا “كارثي” ويضع حمل ثقيل على كاهل الحكومة الإنتقالية في حال رحيل الأسد، مضيفاً ان الإستعجال في إعادة إعمار سوريا قبل وصول الحكومة الإنتقالية يعد إعطاء جرعة لإحياء مجموعة رجال الأعمال المحيطة بالقصر الجمهوري التي نهبت الإقتصاد السوري سابقاً، وتعيد إعمار ما خربته لاحقاً للإستفادة أكثر من خلال تبيض الأموال، ودعا في ختام حديثه إلى ضرورة أن تكون إدارة البلد عن طريق حكومة تكنوقراط.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى