حرب المنشورات في سوريا

هناك بعيداً عن مشهد المعارك والقتل والخطف والتعذيب في سوريا؛ ثمة حرب من  نوع آخر لا تقل أهمية عن حرب المدافع وأزيز الرصاص، تتم عبر إطلاق الشائعات وإلقاء منشورات مكتوبة أو مرئية.

ومع دخول الثورة السورية عامها الخامس؛ تبدو حرب المنشورات بين النظام والمعارضة أكثر احتداماً من ذي قبل؛ بعد أن تمكنت مؤخراً طائرات استطلاع تابعة لجيش الإسلام من إلقاء منشورات على أحياء عديدة في العاصمة دمشق بعبارات تهديد للنظام وأخرى تنصح المدنيين بعدم مساندته مثل: “دمشق ستكون حرة وترحب بكم”، “لا تسمحوا للسفاح أن يقتاد أبناءكم لقتل الأبرياء”، و”الإرهابي بشار لا يأبه بكم.. ماذا تنتظرون؟”، وهي المرة الأولى التي ينجح فيها طيران المعارضة من كسر احتكار المجال الجوي لنظام الأسد.

في موازاة ذلك، واصل النظام المفلس محاولاته تصوير نفسه بأنه ما زال مسيطراً على أجهزة الدولة وعلى المدن والقرى، عبر منشورات يدعو فيها من  يسميهم “المسلحين” أو “الإرهابيين” أو “المرتزقة” إلى إلقاء السلاح، والعودة إلى ما يسمى حضن الوطن: “بادروا إلى ترك السلاح كما فعل المئات غيركم.. الدولة ترعاكم وترحب بعودتكم”….  دون أن ينسى دعوة الفارين والمتخلفين عن الخدمة العسكرية للتوبة والتكفير عن ذنوبهم بالالتحاق بالجيش.

هذه المنشورات التي يبذل النظام وقتاً وجهداً في تنميق وكتابة عباراتها؛ لايبدو أنها تلقى أهمية لدى متلقيها كما يأمل، لأن الجميع بات يدرك ألاعيب النظام وكذبه.

وبينما لم يأبه أحد لمنشورات النظام اليائسة؛ راح الأطفال في الغوطة يجمعونها بفرح لاستعمالها كدفاتر لوظائفهم المدرسية أو لإشعال المدافئ أو للعب، حسب ما تحدثت الناشطة “ورد مارديني”.

وبين النظام والمعارضة يتبع داعش نفس أسلوبه بتصدير الرعب إلى أهالي المناطق الخاضعة لسيطرته؛ ويدعو من خلال منشوراته إلى طاعة “أبو بكر البغدادي” الخليفة المزعوم محذراً من الانشقاق عنه، واللعنة التي ستحل على من يجرؤ على ذلك، فضلاً عن رسائله الدعوية التي يؤكد فيها على ضرورة التزام النساء بالنقاب وعدم الخروج من البيت إلا لضرورة ملحة.

وبين التهديد والوعيد.. والترغيب والترهيب.. يتابع النظام حربه وبث رسائل لا تغني ولا تسمن من جوع أمام شعب اعتاد الموت كما الحياة.

وفي هذا المحور قال العميد “علي علاو”، أن الحرب النفسية هي حرب ليست تقليدية، إذ تتناول سيكلوجية الإنسان أو المقاتل من نواحي عدة، مضيفاً أن الحرب قديمة حيث استخدمها “هتلر” في الحرب العالمية الأولى حيث عمل على إنشاء عدة مراكز أبحاث ودراسات في هذا الإتجاه.

ولفت “علاو” في حوار مع راديو الكل، إلى أن أنواع الحرب النفسية متعددة ولعل أهمها الدعاية والشائعات حيث ساهم تطور وسائل المعلومات في ذلك، وذكر بإلقاء أميركا حوالي 70 مليون نسخة على العراق لحث الجيش العراقي على الإستسلام، حيث كان المنشور مُعد من قبل علماء نفس واجتماع.

وأضاف العميد أن النظام مثله مثل بقية الجيوش يحاول أن يؤثر في سكيلوجية المواطن السوري، بهدف ضمان استمرارية وجوده، وإعطاء صورة عسكية لأهداف الثورة السورية والمعارضة، ولكسب الناس البسطاء المحاصرين، من خلال تخيرهم بين الموت والجوع أو الرضوخ له.

وكشف عن صرف النظام مئات ملايين الدولارات في مجال الدعاية والإعلام، حيث دفع لمؤسسة إعلامية أمريكية واحدة 150 ألف دولار من أجل تغير صورته في نظر الشعب الأمريكي.

واعتبر “علاو” أن منشورات النظام التي يلقيها على المناطق المحاصرة والجائعة ليس لها أي تأثير، لأن جميع السوريين اكتشفوا زيف النظام.

بالمقابل، علق على منشوارت المعارضة الإلكترونية أو الورقية في ظل الحراك الثوري، حيث شدد على أن تكون المنشورات مكتوبة من قبل مختصين بعلم النفس والأجتماع عبر فريق متكامل.

ورفض “علاو” فكرة أن يلقي فصيل بمفرده منشوارت على منطقة معينة، مؤكداً على ضرورة أن يتم ذلك عن طريق أركان الثورة وما يمثل القوى العسكرية المعارضة جميعها، بحيث تختار عبارات مرتكزة على حقائق.

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى