
في الذكرى 36 لمجزرة سجن تدمر.. معتقلون سابقون يروون وحشية التعذيب
السابع والعشرون من حزيران لعام ألف وتسعمئة وواحد وثمانين، تاريخ سيذكره السوريون طويلاً، ليوم شهد واحدة من أكبر المجازر في العصر الحديث، و التي وقعت في سجن تدمر بريف حمص سيء الصيت، وأودت بحياة نحو ألف شخص من مختلف المستويات الاجتماعية والسياسية معظمهم محسوبون على جماعة الإخوان المسلمين المعارضة، بالإضافة إلى علمانيين ومنتمين لأحزاب مدنية ومراهقين تحت سن الطفولة المعتمد في القانون الدولي، وذلك حسب ما وثقت عدة منظمات حقوقية.
المجزرة التي حدثت في عهد حافظ الأسد؛ جاءت بعد يوم واحد من محاولة اغتيال فاشلة بقنبلتين يدويتين استهدفت الأسد الأب، وتم ربط الحادثة مباشرة بجماعة الإخوان المسلمين، وفي تمام الساعة السادسة والنصف صباح اليوم التالي وصل نحو ستين جندياً من “سرايا الدفاع” التابعة لرفعت الأسد شقيق حافظ الأسد بالمروحيات إلى باحة سجن تدمر، ليقوموا بالتوزع على المهاجع وقتل المساجين العزل في مجزرة دموية لم تعرف حصيلتها بشكل دقيق لأن ما من أحد يعرف الحقيقة حين يتعلق الأمر بأي مما يحدث داخل تك المنشأة السرية، بحسب ما علق “نديم حوري” النائب السابق للمدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة هيومن رايتس ووتش.
ينفرد سجن تدمر بسمعة عالمية سيئة جعلته يصنف ضمن قائمة أخطر سجون العالم، متقدماً على سجن (كارانديرو) البرازيلي، و(بيتالك) الروسي، و(كوانغ بانغ) التايلاندي، وغيرها من السجون المدرجة في موقع “كريمينال جاستيس ديغري هاب” وهي السجون التي عدت الأبشع في التاريخ الحديث.
يخضع السجن لإدارة الشرطة العسكرية، إلا أن مسؤولية السجناء السياسيين من اختصاص المخابرات العسكرية، وباعتباره سجناً عسكرياً فإنه لا يخضع لإشراف وزارة العدل التي تجري عمليات تفتيش للسجون المدنية في فترات متباينة، كما ويمتلك حراسه صلاحيات مطلقة وهو ما جعله مسرحاً لعمليات تعذيب وحشية وممنهجة، أودت بحياة كثير من نزلائه، أو تركت بصمات وأثراً في شخصيات من بقوا على قيد الحياة.
“محمود حسن” أحد المعتقلين السابقين في سجن تدمر ورغم أن فتره سجنه لم تتجاوز الثلاثة أشهر إلا أنه يصفها في حوار مع راديو الكل بأنها ذكرى بائسة بالنسبة له، وخرج منها بتجارب بأن لا وجود للإنسان إن لم يكن مع الحق ومع المظلوم ضد الظالم.
بدوره قال “أبو عبد الرحمن الحموي” أحد المعتقلين السابقين في سجن تدمر العسكري، أن فترة سجنه دامت 13 سنة بتهمة الانتماء للأخوان المسلمين، واصفاً السجن كجهنم حيث العذاب الذي لا ينتهي وسط انتشار أمراض السل والجرب، في حين تكون الأدوية التي تدخل إلى السجن منتهية الصلاحية منذ أكثر من سنتين.
وأشار إلى سوء الطعام والمياه وتلوثهما، حيث تكون مياه الشرب كبريتية وكلسية غير صالحة للاستخدام البشري، فيما يكون الطعام الذي يبول ويتغوط عليه رجال الأمن تكون حصة السجناء قليلة مقتصرة على بيضة واحدة لـ 8 سجناء!
من جانبه، قال “محمد برو” سجين سابق في تدمر ومدير مركز صدى لاستطلاع الرأي، أن اعتقاله كان عام 1980 بتهمة الانتماء لتنظيم مسلح حيث دامت فترة الاعتقال 13 عاماً قبل أن يخرج بعفو رئاسي عام 1993.
ولفت أن الحياة في السجن كانت عبارة عن تعذيب من ساعات الفجر الأولى حتى ساعات الليل بشتى أنواع التعذيب، من “كرباج مطاطي” و “كبلات نحاسية” و “مطارق خشبية ضخمة”، إضافة لرمي السجناء من ارتفاعات عالية وتحطيم أيديهم وأرجلهم بالضرب المبرح من قبل السجانين.
وبيّن أن المحاكم الميدانية الصورية التي كانت تجرى في السجن أسبوعياً كانت عبارة عن محاكمة السجين بمدة 45 ثانية فقط بتهم وأحكام جاهزة وفي بعض الحالات تنفذ أحكام الإعدام مباشرة وقت المحاكمة.
انفرد سجن تدمر بسمعة رعب أسطورية؛ أفرزت نوعاً من الأدب متخصص بقصص فردية يرويها الناجون من السجن، من بينهم الشاعر السوري “فرج بيرقدار” الذي أطلق على سجن تدمر اسم “مملكة الموت والجنون” وذلك يعد أن قضى أربع سنوات فيه قام فيها بكتابة قطع شعرية باستخدام “شظايا الخشب” و “أوراق الشاي والبصل” وهي التي ساعدته على عدم الانهيار كما يقول.
فيما يروي الكاتب “مصطفى خليفة” في روايته “القوقعة” ما جرى بداخل السجن من تعذيب وإعدامات تناقل السوريون تفاصيلها في مجالسهم الخاصة ودوائرهم الضيقة، بعد أن قضى هناك زهاء العشرة أعوام، وأكد “خليفة” في اتصال مع راديو الكل، أن الإنسان الذي يخرج من سجن تدمر لا تعود حياته الطبيعية كما كانت، مضيفاً بأن تجربة السجون من الفظاعة بحيث تبدو روايته عبارة عن حرف واحد في سجل الأسد الحافل بالإجرام.